&أيمـن الـحـمـاد


كرة القدم التي طالما كانت متنفساً لعامة الشعب تبعدهم عن تجاذبات السياسة ومؤامراتها، هاهي تنزلق لتغدو جزءاً من لعبة سياسية خطرة، فالفضيحة التي تهز أركان "فيفا" (الإتحاد الدولي لكرة القدم) تتفاعل لتنذر بإندلاع حرب تصريحات يقودها مسؤولي الصف الأول في دول نافذة على رأسها الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا. فقبل يومين من انطلاق الانتخابات الرئاسية لهذه المنظمة الكروية التي يتنافس فيها الرئيس الحالي جوزيف بلاتر - الذي يحظى بعلاقات دولية واسعة مثله مثل أي رئيس جمهورية بل إنه يوصف برئيس جمهورية كرة القدم- ونائبه الأمير علي بن الحسين، قامت السلطات السويسرية بعمليات دهم لغرف بعض المسؤولين الكبار في "فيفا" الذين كانوا يقطنون فندقاً تابعاً لها، والتهمة الموجهة لهم تلقي رشاوي وشك بعمليات غسيل أموال تتعلق بملفي تنظيم مونديالي روسيا 2018 و 2022 في قطر وحقوق تنظيم بطولات كأس العالم و حقوق تسويق وبث تلفزيوني على مدى العشرين سنة الماضية.

يبدو الخبر بشكل عام كروياً ورياضياً يمكن أن يحدث في أي مؤسسة أو منظمة، لكن لماذا يبدو هذا الخبر مختلفاً؟ الواقع أن كرة القدم أصبحت أداة سياسية لا يمكن الاستهانة بها وبقوة تأثيرها جماهيرياً، إذ أن الدخل المالي الذي تحققه كرة القدم وتحديداً استضافة كأس العالم الذي يقدر بمليارات إضافة إلى فرص العمل التي تخلقها تلك المناسبات الرياضية وتحقيق وجاهة دولية أو "برستيج" يدفع الدول لطلب استضافة ذلك العرس الكروي، ومن شأن تلك الإيرادات المالية الواردة من تنظيم كأس العالم أن تشكل أداة يستطيع السياسيون في الدولة من خلالها تحقيق نفوذٍ على المستوى الشعبي، ومن خلالها يستطيعون القضاء على خصومهم الداخليين، وربما تصبح أداة قد تقضي أو تقلص نفوذهم السياسي، يدل على ذلك التصريحات التي خرجت للعلن بعد أقل من 24 ساعة من فضيحة "فيفا" فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد بأنه لا يشك في أن واشنطن تحاول منع إعادة انتخاب جوزيف بلاتر رئيسا ل"فيفا"، والأخير كان قد أعرب عن رفضه سحب تنظيم بطولة كأس العالم 2018 من روسيا حتى بالرغم من التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.

ليلحق بتصريحات بوتين، كلام لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي أعلن متحدثه بأن بلاده لا تدعم ترشيح بلاتر وتدعم الأمير علي بن الحسين، ليعقبه تصريح رئيس الاتحاد الانجليزي يعبر من خلاله استعداد بلاده لاستضافة كأس العالم 2018 بدلاً عن روسيا. هذا التعاطي الذي تقوده النخب السياسية في دول لها حضورها الدولي يعكس مدى اعتبار كرة القدم لعبة من خلالها يتم تصفية الحسابات السياسية، فالجانب الروسي يفسر تلك التصرفات بأنها جزء من حملة سياسية لضغط عليه من الغرب في إطار حصار تقوم به واشنطن وعواصم أوروبية نظير سياسات موسكو المعادية للجانب الغربي.

تأثير كرة القدم في الجانب السياسي أصبح أمراً واقعاً لا سيما ونحن نرى انحرافاً واضحاً لجماهير كرة القدم التي سُيّست في مصر على سبيل المثال فيما يعرف بجماهير "ألتراس" أو المتعصبين لبعض الأندية القوية كالأهلي والزمالك، وكيف تم استغلالها سياسياً لإحراج الحكومة والأمن من خلال مظاهرات تقوم بها في المدن الكبرى المصرية لمطالبات شعبية لا علاقة لها بالرياضة، ما حدا بمحكمة مصرية الأسبوع الماضي بإصدار قرار تحظر فيه هذه الروابط الجماهيرية.

كرة القدم شبيهة بالحرب فالهجوم والدفاع والتكتيك مصطلحات شائعة بينهما وفي النهاية هناك فائز فمن يملك المهاجم الماهر.
&