&

&محمد آل الشيخ

&
العراق تكتسحه عصابات داعش، فيفر أفراد جيشه ويولون الأدبار، منذ أول مواجهة في مدينة الموصل؛ أمام أفراد عصاباتها القادمون من الزواريب المظلمة الخلفية من شتى بقاع العالم؛ ثم تتساقط مدنه وقراه الواحدة تلو الأخرى، بسهولة ويسر، ودون أية مقاومة أو عناءٍ يُذكر، تماما كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف حين تهب أول عاصفة.

والسؤال: هل السبب قوة داعش، أم أنه ضعف العراق، وتهافتُ قيادات جيشه، وهشاشة مكوناته، وتدني قدرات وإمكانات حكومته ؟

لا فرق في المحصلة؛ فسواء كان السبب القيادة والأفراد وعدم رغبتهم في القتال كما يقول الأمريكيون، أو كان السبب تشظيهم طائفياً وعدم قدرتهم على الانسجام والتجانس والتناغم مع بعضهم البعض؛ أو أنه السببان مجتمعان، فالنتيجة واحدة.

نوري المالكي - في تقديري - هو أول من أوقد جذوة الحريق في مكونات جيش العراق قبل الدواعش، لمصلحة الإيرانيين؛ فالجيش الذي اضطر الخميني بسببه إلى الإذعان ووقع اتفاقية السلام، وكأنه حين وقعها كمن يتجرع السم كما وصف نفسه، عاد خلفاؤه وانتدبوا له «نوري المالكي» بمشاركة وموافقة من الأمريكيين، وكانت مهمته تنحصر - كما أثبتت النتائج فيما بعد - بتفكيك اللحمة العراقية من خلال إيقاظ الحس الطائفي، ليحل محل الانتماء الوطني، والهدف المقصود تفكك مكونات الجسد العراقي، لينهار الجيش (الوطني) في النتيجة وتنهار روحه المعنوية، ويدب في تشكيلاته، قيادات وأفرادا، الإحباط وتدني الانضباط واللامبالاة؛ والأهم العمل على عدم إعادته كما كان قبل الاحتلال؛ وهذا ما حصل بالفعل، فلم يصمد هذا الجيش الضاربة جذوره في أعماق تاريخ العراق الحديث، أمام عصابات الدواعش ولو لساعات معدودة، حينما غزوا الموصل بثلاثة آلاف عنصر، يستقلون عربات دفع رباعي، مدنية وليست عسكرية، فأطبقوا عليه وعلى الموصل بأكملها، وغنموا عدتهم وعتادهم، وأعملوا في رقاب أفراده الخناجر، وقذفوا بجثثهم في الفرات.

ذهب المالكي بعد إنجاز مهمته، وأصبحت إيران هي الحاكم والحَكم، ومن له الأمـر والنهي، لا يُنازعهــا في سلطتها منازع.. وحين تكشـفت سَـوءَة المالكي جاؤوا بخليفة له «حيدر االعبادي»، من (حزب الدعوة) العراقي، وهو الحزب الذي ينتمي له المالكي أيضا؛ غير أن العبادي وجد نفسه قد ورث ورثة ثقيله من سلفه، وأنه حتى لو أراد إجراء بعض الإصلاحات، فلن يستطيع على المدى القريب، والمشكلة أن الدواعش لن يمهلوه، حتى يصلح ما أفسده المالكي وحكومته، هذا إذا افترضنا أنه جاد وقد عقد العزم على الإصلاح، وبناء جيش عراقي وطني من كل الفئات، وليس من فئة وطيف واحد فقط؛ ويبدو أن توسع داعش في العراق، وضمها لثلثي الجغرافيا العراقية حتى الآن، وعجز العراقيين جيشا وميليشيات عن كبح تقدمها نحو بغداد وتوحشها المفرط في عملياتها العسكرية، وبالذات ضد المدنيين، وتفاقم خوف العراقيين منها، سيدفع الحكومة العراقية الحالية إلى أن (تستنجد) بالجيش الإيراني، لكبح جماح هذا الخطر الذي أصبح الشغل الشاغل لكل العراقيين، بكل مكوناتهم، ومصدر خوف وهلع يتضخم، ويقض مضاجعهم مع مرور الوقت؛ وعندما تتحرك فيالق الجيش الإيراني إلى العراق، ملبية طلب الحكومة العراقية، تحت شعار (إنقاذ العراق وأهله من الدواعش)، فلا تحتاج الجيوش الإيرانية، المتفوقة عددا وعدة، إلا أياما معدودة لتسحق الدواعش عن بكرة أبيهم، وتشتت شملهم، وبسهولة؛ أما الثمن, وهذا ما يطمحون إليه، فالبقاء في العراق والتحكم فيه وفي موارده، مثلما كانت جيوش الأسد في لبنان قبل أن يخرجوا منها بعد قرابة الثلاثة عقود.

لذلك، فليس ثمة طريقة لتفادي هذا السيناريو المرعب، إلا تفعيل ميثاق الدفاع العربي في الجامعة العربية، وتشكيل قوة تدخل عسكرية عربية، وبشكل عاجل، لمساندة العراقيين العسكريين ضد داعش، وقطع الطريق على إيران؛ ومثل هذاالإجراء هو الخيار الوحيد، لكي لا يجثم الوحش الفارسي على حدودنا الشمالية إلى الأبد.
&