&&محمد صالح المسفر

&
شهدت سمو الشيخ موزا حفل افتتاح "مركز الشرق الأوسط" بجامعة أكسفورد البريطانية العريقة، هذا المركز الذي شيد على نفقة دولة قطر، وتم التصميم الهندسي للمبنى بيد مهندسة عربية من العراق، إذًا نستطيع القول إن فكرة المركز عربية قطرية، وتمويله قطري وتصميمه الهندسي عربي من العراق، ومهمة المركز اليوم، هي التركيز على "دور الشرق الأوسط في بناء الحضارة الإنسانية" وأعني بالشرق الأوسط الوطن العربي الكبير وأستثني من ذلك التوصيف الجغرافي توصيف الولايات المتحدة الأمريكية للشرق الأوسط الحديث.
(2)
من هنا، أقول: وقفت الشيخة موزا أمام جمهور من علماء التاريخ في جامعة أكسفورد البريطانية العريقة، وجمهور من أساتذة الآداب والعلوم وأصحاب القلم في الجامعة ومحيطها البريطاني، مخاطبة ذلك الجمهور، لا عن تكاليف التأسيس والإنشاءات والتأثيث والتجهيز وإنما راحت تتحدث عن الدور الذي على المركز وغيره من مراكز البحث العلمي الاهتمام بالإنسان، والانتقال به، من مرحلة التنظير واجترار التاريخ ماضيه وحاضره، إلى مرحلة البناء والعطاء، لكن لا يعني ذلك عدم اتخاذ العبر من التاريخ الإنساني الذي بدأت نشأته في الشرق العربي سواء قبل الإسلام أو بعد بزوغ فجر الإسلام عام 610 ميلادي.
لقد أدركت سموها،جوهر المشكلة في عصرنا الراهن، القائمة بين الشرق الأوسط (العرب والمسلمين) والغرب متمثلا في أوروبا، إنها تعود إلى ماض شهدت فيه أوروبا انتشار الإسلام مرورا بأوربا الشرقية وصولا إلى فيينا وليبيريا وصقلية، لكن ذلك الزحف العربي الإسلامي كان بانيا لحضارة إنسانية رائعة وما برحت شواهد ذلك التاريخ قائمة في جنوب إيطاليا وأوروبا الشرقية وإسبانيا والبرتغال، وفي تلك الأجزاء من العالم أقام العرب المسلمون إلى جانب التراث الإنساني، والمعماري والفن الهندسي والمدرجات الزراعية، العدل والمساواة والحرية، وحفظ كرامة الإنسان. بينما غزوات أوروبا (الحروب الصليبية) ومن بعدها الاستعمار البريطاني والفرنسي والبرتغالي والهولندي واليوم الاستعمار الأمريكي، نتساءل ماذا قدموا لنا نحن العرب؟ 120 عاما أو تزيد استعمار فرنسي للجزائر وشمال إفريقيا العربي، لا أثر لهم هناك سوى الشقاق والفتن بين مكونات تلك المجتمعات، أكثر من 100 عام استعمار بريطاني لمصر، 120 عاما أو أكثر استعمار بريطاني لجنوب الجزيرة العربية وماذا خلف ذلك الاستعمار في تلك المناطق غير التخلف والتجزئة والتبعية والأمية، وخليجنا العربي بقيت بريطاني به ردحا من الزمن وتركتنا في عام 1970 دون شارع مرصوف، أو مدرسة قائمة، أومؤسسات حكومية، وبدأنا من الصفر نبني مجتمعاتنا من الإنسان إلى المنزل إلى المدرسة والمستشفى وحتى رصف الشارع.
(3)
ماذا قدم لنا الاستعمار الغربي غير النظام الرأسمالي الذي فتك بكل مدخراتنا عن طريق التلاعب بأسعار العملة والفائدة وأسواق الأسهم والسندات، قدم لنا الشيوعية، التي ضحت بالفرد، والمجتمع، لصالح فلسفة، لم يحسنوا صياغتها وتطبيقها، قدموا لنا الصهيونية، التي ابتلعت الأرض وفتكت بالإنسان العربي في فلسطين ومحيطها، قدموا لنا نماذج الحضارة الغربية المتوحشة "معتقلات سجن أبو غريب في العراق وما أدراك ما حدث لكل المعتقلين العرب هناك، ومعتقلات جوانتناموا في كوبا التي كان ضحيتها العشرات من العرب والمسلمين.
تحدثت سمو الشيخة موزا عن تنامي الخوف- العداء في أوروبا من المسلمين، وإضافة "فوبيا المسلم" قد حطت من قيمة حياة المسلمين في أوروبا وأمريكا، وتساءلت: "لماذا تبدو حياة المسلمين أقل أهمية من حياة الآخرين؟" وكأن بسموها تريد القول: لو تعرض يهودي في أي بقعة من الأرض لما يتعرض له العربي.. المسلم ماذا ستقول المؤسسات الإعلامية والحكومات الغربية عن أي اعتداء يتعرض له أي من أتباع الكنيسة أو المعبد اليهودي، حتما سيقيمون الدنيا علينا ولا يقعدونها.
(4)
نحن العرب قدمنا للعالم أجمع بما في ذلك الغرب حضارة متكاملة لا ينكرها إلا ظالم، وهذا الشيخة موزا تفتتح مركز دراسات وبحوث في عقر أعرق جامعات أوروبا ليضيء شعاع الثقافة والعلم والمعرفة لأوربا ومنها إلى العالم، وهناك مركز عربي آخر في جامعة كيمبردج الشهيرة، وجامعة لندن، وإكستر ومانشستر وغيرها من الجامعات البريطانية، وحدث ولا حرج عن المراكز البحثية العربية في الجامعات الأمريكية التي أسسها العرب بأموالهم، فهي تزيد عن 100 مركز علمي في جامعات محترمة وكذلك فرنسا.
والسؤال.. ماذا قدمت لنا هذه الدول غير مراكز التجسس في العراق ولبنان والقاهرة وغير ذلك من العواصم العربية إلى جانب التدمير لمناهجنا الدراسية وثقافتنا وحضارتنا؟!
آخر القول: شكرا سمو الشيخة موزا على ما قدمت في محاضرتك القيمة هناك في جامعة أكسفورد، في عقر دارهم، وأدعو إلى تأسيس مراكز بحثية في الوطن العربي بذات المواصفات ليتسنى للباحث العربي من الوصول إلى مصادر المعرفة بكل سهولة ويسر.
&