علي العنزي

&لا شك أن ما تم ارتكابه في بلدة القديح بالقطيف هو جريمة بكل ما تعنيه الكلمة؛ لأن المصلين هم آمنون ومسالمون ومسلمون ومواطنون؛ لذلك أراد من يقف وراء هذه الجريمة إشعال فتنة طائفية في البلد؛ يستفيد منها المتربصون والأعداء لهذه الدولة وشعبها، التي حققت نجاحات في احتواء التدخل الإيراني في اليمن، فالجريمة التي ارتُكبت تعتبر طعنة في جسد الوطن، ومحاولة لتمزيق اللحمة الوطنية والاستقرار الاجتماعي، اللذين يتمتع بهما هذا البلد، وتَبَنِّي داعش لهذه الجريمة هو دليل على إجرام هذا التنظيم وتغوله في الإجرام والقتل، فساءه استقرار المملكة، واحترام العالم لها، سواءً على المستوى الرسمي أم الشعبي، والتفاف العرب والمسلمين حولها خلال عاصفة الحزم، سياسياً وعسكرياً، والتأييد الشعبي المطلق لها من شعبها الوفي، لذلك أراد أن يثير فتنة داخلية طائفية من خلال هذه العملية الإجرامية التي قام بها؛ لتحقيق أهدافه في تفتيت الوحدة الوطنية وحزب التعايش بين مكونات الشعب السعودي.

&

لقد كان الموقف السعودي رسمياً وشعبياً؛ ضد هذه الجريمة البشعة، فقد عبَّر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بقوله: «إن فداحة جرم الاعتداء الإرهابي الآثم الذي استهدف مسجداً ببلدة القديح يتنافى مع القيم الإسلامية والإنسانية، وفجعنا جميعاً بهذه الجريمة النكراء». وأضاف: «جهود المملكة لن تتوقف يوماً عن محاربة الفكر الضال ومواجهة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم». مشدداً على ما وجه به بأن يكون «كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون أو متعاطف مع هذه الجريمة عرضة للمحاسبة والمحاكمة، وأن ينال عقابه الذي يستحقه». كما كان الموقف الشعبي متقدماً جداً، إذ كان الاستنكار والإدانة من شرائح المجتمع كافة، والاستغراب وعدم القبول لمثل هذه الأعمال الإجرامية، أياً كانت دوافعها حديث الكل ومن المستويات كافة.

&

إن جريمة القديح لم تكن تستهدف مسجداً أو طائفة، وإنما تستهدف وحدة المملكة العربية السعودية، بكل مكوناتها ونسيجها الاجتماعي المترابط والمتراص، وكذلك الأمن والاستقرار والتعايش السلمي بين المواطن والمقيم والوافد، فالمملكة التي تتعايش فيها كل الطوائف والأجناس، من أهل السنة والشيعة ومختلف القبائل، وكل وافد لهذه الأرض على مدى مئات الأعوام، هي ملاذ آمن لمن طلب الأمن والسلام، وهي مهبط الوحي وموطن الرسالة المحمدية العظيمة، لذلك لم يكن مستغرباً رد الفعل الشاجب والمدين لهذه الجريمة من مكونات الشعب السعودي كافة ومن دون استثناء، وكان التعامل مع الحدث بعيداً عن التشنج الذي لن يؤدي، في حال حصوله، إلا إلى مزيد من التشنج وصب النار على الزيت، فالشعب السعودي واعٍ ويرى ويشاهد ما يحصل في العراق وسورية وغيرهما من الدول، التي اندلعت فيها الفتن الطائفية المقيتة، التي أتت على مقدرات شعبيهما ومكونات استقرارهما.

&

إن من أقدم على ارتكاب هذه الجريمة يهدف إلى إشعال الفتنة بين مكونات الشعب السعودي، فالتوقيت في غاية الخطورة، ففي العراق حرب أهلية طاحنة، ذات صبغة طائفية، بسبب ممارسات الأحزاب التي وصلت إلى السلطة؛ ليتحول العراق إلى بيئة جاذبة للمقاتلين الأجانب، الذين استغلوا الوضع السياسي والاجتماعي المتأزم بين مختلف مكونات الشعب العراقي؛ لينفذوا من خلاله إلى بقية المناطق، وكذلك الأمر في سورية ولبنان واليمن، وكل هذه الفتن والحروب تُغذى من جهات دولية وإقليمية تريد أن تفتت الدول العربية إلى كيانات وطوائف، بل إلى «كانتونات»، وهو ما يجعل الحيطة والحذر في غاية الأهمية من المواطنين والمسؤولين، لتفويت الفرصة على المتربصين والأعداء، فالفتنة الطائفية في حال حدوثها -لا قدر الله- لن تُبقي على شيء، ولن يكون هناك فائز وخاسر فيها، فالكل خاسرون، والشواهد التاريخية تثبت ذلك، من حرب الـ100 عام في أوروبا، إلى حرب رواندا والتطهير العرقي الذي حصل، وما يحصل في بورما الآن، كل هذه الشواهد تدل على خطورة الفتن الطائفية على استقرار الدول والشعوب وكيانها وديمومتها.

&

أعتقد بأن قادة الرأي ورجال الدين عليهم دور كبير في مواجهة هذا الفكر الإجرامي، الذي يحاول أن يضرب التعايش بين الناس، فالموقف الذي اتخذه المفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بإدانته لهذا العمل الإجرامي هو مثال على ما يجب أن يقوم به رجال الدين وقادة الرأي في السعودية؛ لمواجهة هذا الفكر المتطرف، فالجهات الأمنية لم تقصر يوماً في دورها، لكن لا بد من العمل الجماعي والتعاون بين مكونات المجتمع السعودي كافة؛ لتفويت الفرصة على المتربصين والحاقدين، فالمواطن هو رجل الأمن الأول وهذه هي مقولة الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وهو رجل الدولة الذي قاد وزارة الداخلية عقوداً، فاليوم الجميع مطالب بوقفة جادة ووطنية لمواجهة ما يحاك لهذا البلد من مكائد، فالفتنة الطائفية هي الخطر الحقيقي للمكون المجتمعي لأي شعب أو بلد. إن ترويع الآمنين، وفي بيوت الله، هو من أفظع أنواع الجرائم، فما بالك أن هذا العمل يرتكب في بلد هي الحامية والراعية للإسلام ومقدساته، وتحمل راية الإسلام.

&

إن الشعب السعودي أثبت في كل أزمة يتعرض لها أنه وفيٌّ في ولائه وحبه لوطنه، وفوَّت الكثير على الأعداء، وسيبقى شعباً وفياً لمبادئه ولقيادته ولأمته، ولن ينجرَّ لمثل هذه المكائد التي يقوم بها تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة التكفيرية، بل ستزيده التفافاً بعضه حول بعض والتمسك بالوحدة الوطنية التي هي صمام الأمان لهذا البلد.
&