عبدالله جمعة الحاج

لا يوجد شك في أن دول المجلس لديها قلق وشكوك حول تفاصيل الاتفاق الإطاري، فالشيطان، كما يقولون، يكمن في التفاصيل، فهي تبدو وكأنها على يقين بأن نفوذ الولايات المتحدة قد تراجع في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي نتيجة لمواقفها الغامضة حول عدد من قضاياها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والأراضي الفلسطينية، وفوق كل ذاك الخليج العربي، وبأنها فقدت المبادرة الحقيقية لاستخدام قوتها ونفوذها حيال هذه القضايا، ما أدى إلى تزايد الشكوك حول التزامها تجاه قضاياهم الأمنية. ثم أتى بعد ذلك الاتفاق الإطاري الأخير، لكي يؤجج من تلك المخاوف، فدول المجلس قلقة من أن الولايات المتحدة ستقبل باتفاق طويل الأمد مع إيران يعالج فقط برنامجها النووي، في الوقت نفسه الذي يتجاهل فيه قدرات إيران على التوسع الخارجي وتأجيج الصراعات المذهبية والعنف الطائفي في الدول العربية كافة، بدءاً بالمغرب مروراً بمصر ولبنان وسوريا والعراق واليمن، وربما السودان، وانتهاء بدول المجلس ذاتها، خاصة البحرين.

&

وهذه تهديدات واقعية تنظر إليها دول المجلس بكل جدية، وما يزيد الطين بلة أن الولايات المتحدة بعيدة جداً جغرافياً عن الخليج العربي، حيث إن مواطنيها لا يأبهون بالآخرين ويريدون تجنب الحروب الخارجية، كما أن مشرعيها يقومون بتقليص ميزانيات الدفاع سنوياً، وقادتها يبدون توجهات قديمة - متجددة نحو شرق آسيا والمحيط الهادئ، وبالتوجه السياسي والاقتصادي نحو إيران، في حين أن إيران تقع على مرمى البصر من شواطئ الخليج العربي والجزيرة العربية شرقاً وغرباً.

إن قدرات الولايات المتحدة التعبوية عسكرياً والمناورات التي تجريها في المنطقة بشكل شبه متكرر ومنتظم، وقيامها ببيع الأسلحة إلى دول المجلس لا يمكن لها تجاوز الحقيقة الأساسية الراسخة المتعلقة بعدم التوازن المرتبط ببعدها الجغرافي عن الخليج العربي، وحقيقة قدرات إيران على استغلال ذلك البعد عسكرياً لاختراق الترتيبات الدفاعية للولايات المتحدة في المنطقة، وهي تراهن على ذلك كثيراً.

إن دول المجلس تبدو مدركة أيضاً بأن شركاء الولايات المتحدة الإقليميين الآخرين لديهم عدد محدود من الخيارات المتاحة الآن في حالة قيام الإدارة الأميركية الحالية بمناداتهم للضلوع في ترتيباتها الدبلوماسية الخاصة بالتحاور مع إيران. لذلك، فإن تساؤلات تبرز أمام دول المجلس حول إمكانية توجهها لشراء الأسلحة من مصادر أخرى، وتحديداً الصين وروسيا وعدد قليل من دول أميركا اللاتينية، وحول إمكانية الاعتماد على البحرية الروسية لحماية موانئها، وهنا يمكننا القول بوجود مخرج آخر أمامها، وهو البدء في العمل سوياً لوضع أسس بديلة للأمن القومي العربي. رغم ما يبدو عليه الأمر من صعوبة، إلا أن الدول العربية يمكنها الجلوس مع بعضها بعضاً وتطوير سلسلة من الأفعال التي يمكن لها القيام بها جماعياً على المنوال نفسه الذي تمت به عاصفة الحزم في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية.

الدول العربية مجتمعة تستطيع مثلاً أن تدفع إلى الأمام بالمفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية عن طريق تبني مشروع جديد يرضي الأطراف كافة، ودعم الدبلوماسية التي كان يقودها جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة في المنطقة، وتبني مشروع يحفظ حق العودة للفلسطينيين، ويمكن للدول العربية أن تقوم بأفعال مشتركة لعزل المنظمات والجماعات المتطرفة والإرهابية كـ«حزب الله» و«حماس» و«القاعدة» و«داعش» و«الإخوان المسلمين»، وتستطيع دعم السلطة الفلسطينية والحكومة اللبنانية، والقيام بدعم الأردن لكي يتمكن من التعامل مع مشكلة اللاجئين والنازحين إلى أراضيه نتيجة للحروب في العراق وسوريا، وصحيح أن الأمر ليس سهلاً ويحتاج إلى التعاون والثقة، لكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.

إنَّ مثل هذا التعاون مرحب به من الشعوب العربية كافة لو صدقت النوايا، لكن إذا كانت الدول العربية تخشى فعلاً من مخرجات أي اتفاقات أو تعاملات بين الغرب وإيران تضر بأمنها ومصالحها الحيوية، فإن العمل سوياً هو المخرج الوحيد الذي لديها، وإلا فإن المستقبل مظلم جداً.
&