شملان يوسف العيسى

تواجه دول الخليج العربية أزمة في كيفية التعامل مع المتغيرات الجديدة في المنطقة، خصوصاً بعد تمدد تنظيم «داعش» الإرهابي في كل من العراق وسوريا واليمن، وقيامه بعمليات إرهابية في السعودية عبر تفجير المساجد في كل من القديح والدمام. واضح جداً بأن الجماعة التكفيرية، بتفجيرها لمساجد الشيعة في السعودية، وقتلها الأبرياء من المصلين، إنما تهدف إلى خلق فتنة طائفية تمزق النسيج الاجتماعي الواحد في السعودية.

الهدف غير المعلن لـ «داعش» هو تقويض الدول والأنظمة الشرعية في الخليج، عبر الادعاء بأنه يمثل الأغلبية السنية في العالم الإسلامي. لقد نجحت «داعش» في خلق الفتنة الطائفية في العراق، بسبب الحكومة الطائفية وفساد السياسيين والتدخل الإيراني المباشر في العراق.

&


والسؤال الآن هو: كيف يمكن لدول الخليج التصدي للخطر الطائفي الذي تثيره الجماعات الإرهابية؟

القيادات السياسية في الخليج عازمة على التصدي لظاهرة التطرف والعنف والإرهاب، لكن غالباً من خلال المنظور الأمني العسكري، مع بعض الإهمال أحياناً للأبعاد الثقافية والسياسية المطلوبة لمنع التطرف الديني في هذه البلدان.

دول الخليج تريد محاربة التطرف الديني دون التصدي بوضوح للدعوات التي تطلقها جماعات الإسلام السياسي التي تطالب بإقامة الدولة الدينية ومحاربة الدولة المدنية.. فلو ركزت دولنا على مفهوم المواطنة ومساواة جميع فئات المجتمع عبر سيادة القانون وفصل الدين عن السياسة.. لتفادينا اشتداد وتيرة التطرف والإرهاب في بلداننا.

دول مجلس التعاون الخليجي ومؤسساتها لم تدعم بقوة مفهوم مدنية الدولة، بل حاربه بعضها لفترة طويلة من خلال تقريب أنصار الدولة الدينية، من «إخوان» وسلف، متصورين بأن هذه التيارات يمكن احتواؤها وإخضاعها لرغبات الأنظمة.. وواقع الأمر أن لهذه الجماعات أهدافا وأجندات تتعلق بالسياسة وليس الدين، تتلخص كلها في الوصول إلى الحكم بالقوة.

ما يقلقنا اليوم في الخليج هو تزايد الشباب الخليجي المنخرط في العمل الجهادي، متمثلا الآن في تنظيم «داعش» الإرهابي، حيث يقوم بعضهم بتنفيذ عمليات إرهابية ضد بلد آمن مثل السعودية.

والسؤال هو: كيف يمكن تحصين بلداننا من التطرف والعنف الطائفي المؤدي إلى تفجير دور العبادة؟

يخطئ من يظن بأن المشكلة تتعلق بالعقيدة والخلاف بين المذاهب.. المشكلة برأينا مرتبطة أكثر بالابتعاد عن روح العصر. لقد تعودت وزارات الأوقاف في الخليج وخطب المساجد على ترديد عبارة أن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال والتسامح.. المشكلة لا تتعلق بالدين، بل هي مرتبطة بحضارة العصر.. ففي معظم دول العالم، المتقدم منه والمتخلف، هنالك أديان وطوائف وقوميات متعددة، كما هو الحال في الولايات المتحدة وكندا وفرنسا والهند، لكن لا نجدهم يقتلون بعضهم بعضا، والسبب يعود إلى مدنية الدولة والمساواة على أساس المواطنة والحرية الكاملة في ممارسة العقائد.. وكل ذلك هو نتاج التطور الحضاري الذي رسّخ مفهوم الدولة المدنية.

علينا في الخليج التركيز على مدنية الدولة ورفض تحويل الإسلام كدين إلى دولة. فالتطرف الديني والإرهاب السياسي الديني والفتنة الطائفية كلها قضايا متكاملة يصعب الفصل بينها، لنعزز مدنية الدولة واحترام المواطنة والقانون.
&