رياض نعسان أغا

قرأت باهتمام خريطة الطريق التي رسمها الإخوة المشاركون في مؤتمر القاهرة الذي انعقد في 8 و9 يونيو 2015 وتذكرت القول الشهير «اقرأ تفرح، جرب تحزن»، وهذا ليس تشاؤماً مني، فقد شاركت في المؤتمر الأول الذي انعقد في يناير 2015 في القاهرة وكان متابعة لبيان جنيف الذي امتلك شرعية دولية ولكنه لم يستطع أن ينجز شيئاً لأن النظام مصرٌّ على الاستمرار في القصف اليومي وارتكاب المجازر ضد المدنيين عبر البراميل التي جعلت حربه غير مكلفة! وهو غير مهتم بكل البيانات والنداءات السلمية والسياسية والإدانات الخجلى ضامناً أن المجتمع الدولي غير معني جدياً بالدفاع عن حقوق الإنسان السوري مهما تعرض للتعذيب والتهجير والتدمير وحتى الإبادة!

ولكنني أقدر أن المعارضة السياسية التي تدعو للحل السياسي وتخاطب المقتنعين به وحدهم، قد رفعت سقف مطالبها في مؤتمر القاهرة الأخير، وهو ما كان شبه غائم في المؤتمر الأول حيث لم تشر نقاطه العشر إلى موقع الرئاسة وتركته كما تركه بيان جنيف قابلاً للتفسيرات.. ففي خريطة الطريق الأخيرة نصٌّ واضح حول استحالة بقاء المنظومة الحاكمة ورئيسها في مستقبل سوريا، ولابد لي من أن أشير إلى أن موقف الخارجية المصرية عبّر أيضاً عن تطور في وضوح موقفها وتقييمها للأحداث عبر خطاب وزير الخارجية المصري في افتتاح المؤتمر، حيث قال «انطلق الحراك الشعبي السوري في مارس 2011، حراكاً سلمياً يتطلع للتغيير، إلا أن النهج الأمني العنيف، وعدم إدراك طبيعة المرحلة، أديا لازدياد حدة الاحتجاجات والمواجهات وسقوط الأبرياء، فتدهورت الأوضاع على مدار السنوات الأربع الماضية».

&


والمهم أن خريطة الطريق التي تبحث عن شريك تواجه صعوبة كبرى ولا تتجاهلها فهي ترى الحل عبر تفاوض مع وفد من النظام، وتقول «لا يمكن بدء العملية التفاوضية في ظل غياب أي قدر من الاتفاق بين أطراف التفاوض، وإقرار الطرفين منذ البدء على إجراءات وآليات مشتركة»، وهذا صحيح، ولكنه سيبدو غير واقعي، فمن المحال أن يشارك النظام في إجراءات رحيله! ولو توفرت عنده النية للرحيل الطوعي بهدف تجنيب البلاد حدوث انهيار أو فوضى لوفر على سوريا ما تعرضت له من دمار غير مسبوق، ولكنه أعلن أن حربه ضد معارضيه مستمرة إلى «آخر بشر وآخر حجر، وحتى إحراق البلد»! وخريطة الطريق التي تتوجه إلى المقتنعين بالحل السياسي لا تجيب عن سؤال مهم «وماذا إذا لم يستجب النظام للتفاوض حسب هذه الخريطة؟ ماذا سيفعل المقتنعون –أمثالي- بالحل السياسي؟». لن نجد غير قول أبي تمام الشهير «السيف أصدق إنباءً من الكتب»! وقد حدث ما كنا نخشاه ونحذر منه وصارت دماء السوريين أنهاراً.

وقد أصاب البيان حين حذر من خطر ظهور السيناريوهات الأشد ظلاماً، ولا توجد قوة ضاغطة تجبر الفريقين على الإعلان الفوري عن وقف الصراع أو تجميده، ولاسيما أن نصف مساحة سوريا يسيطر عليه «داعش» والنصف الباقي تتوزعه فصائل متعددة منها «النصرة»، وهؤلاء جميعاً غير معنيين بخريطة الطريق، والشعب السوري مهدد بجحيم أخطر قادم عبر تطور الصراعات الطائفية التي تتجلى اليوم في الصراع السني- الشيعي بسبب احتلال إيران و«حزب الله» لكثير من المناطق السورية. وأخشى أن الصراع سيتطور بقوة إلى «سُني- سني» فالفصل القادم هو فصل التصفيات الكبرى بين بقية الفصائل وهذا خطر كبير لابد من تجنبه.

إنني أثني على جهد المشاركين في مؤتمر القاهرة وعلى حسن مسعاهم، ولكنني أتوقع ألا تكون لهذه الخريطة فاعلية عملية وهي تحمل تناقضاً واضحاً بين استبعاد المنظومة الحاكمة والمطالبة «بتغيير جذري وشامل» وبين موافقة النظام وسيبقى الحل السياسي في المؤتمرات وحيداً بلا شريك حتى تنبت الأرض حملها.
&