داود الشريان

لقاء أنور عشقي «رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والسياسية» في جدة، ودوري غولد «المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية»، خلال ندوة نظمها «مجلس العلاقات الخارجية الأميركي» في واشنطن، أصبح قضية في بعض الإعلام العربي. الحملة على السعودية، بعد هذا اللقاء، تذكّرنا بنظيرتها التي شُنت اثر المصافحة بين الأمير تركي الفيصل، ونائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق داني ايالون، خلال إحدى جلسات مؤتمر ميونيخ للأمن، قبل خمس سنوات. على رغم ان الأمير تركي اجبر ايالون على الاعتذار، وحين طلب الأخير من تركي الفيصل أن يلقاه ويصافحه، قال الأمير: أنتَ من يجب أن يأتي إليّ. وعندما تقابلا وجهاً لوجه، قال أيالون للأمير: اعتذر عما قلت. فقبِل الأمير الاعتذار؟ وتمسك بموقف بلاده. في تلك الجلسة نسي بعض الإعلام أن الأمير رفض الجلوس مع داني ايالون بسبب السلوك السيء مع السفير التركي لدى إسرائيل، وتم التركيز على فعل المصافحة، وفسر إعلاميون وصحافيون الموقف بأنه مشروع تطبيع سعودي مع إسرائيل، تماماً مثلما حدث مع لقاء عشقي.

&

موقف السعودية من التطبيع موجود في نص «المبادرة العربية»، ولا يحتاج الى اجتهادات صحافيين ومحلّلين سياسيين لفهمه، فضلاً عن أن مصافحة مسؤولين عرب، على رأس العمل، مع مسؤولين إسرائيليين، لم تنقطع منذ أوسلو، لكن أحداً في الإعلام العربي لا يتحدث عنها باعتبارها تطبيعاً. أما إذا تمت مصافحة من سعوديين، وإن كانوا لا يشغلون منصباً رسمياً، فإن «أصدقاء» السعودية في الإعلام العربي يفتحون مناحة.

&

قبل أسابيع التقى ممثلون من دول عربية إسرائيليين، خلال اجتماع عقد في الأردن، بمشاركة أوروبية وأميركية. كان الهدف دفع التعاون الأمني بين دول عربية وإسرائيل، ولم يتحدث «البواسل» في الإعلام العربي عن هذا اللقاء، فضلاً عن ان هؤلاء لم يهاجموا الراحل ادوارد سعيد حين طالب المثقفين العرب في مقال له في جريدة «الحياة»، بالمبادرة للاتصال بالمثقفين الإسرائيليين، ودعوتهم الى النقاش في الجامعات ومراكز الثقافة والمنابر العامة في العالم العربي. قائلاً «ماذا استفدنا من السنوات التي رفضنا خلالها التعامل مع إسرائيل؟ لا شيء سوى إضعافنا وإضعاف تصورنا لمناوئينا».

&

لا شك في ان بعض «المناضلين» العرب اكتشف خيبة «ممانعة» أحزابه ومنظماته، وقرر مداراة فشله بشعار «رفض التطبيع» وتضخيمه، وجعل السعودية كبش فداء لهذا التضليل.

&

الأكيد أن المبالغة في رفض التطبيع باتت غطاء لتعويض الخور الذي وصل اليه حال ما يسمى «الممانعة»، لكنه غطاء لم يعد قادراً على حماية الشعارات المزيفة التي قادتنا الى المهالك.
&