&هشام النجار

&

&

&

عاملان وراء نجاح أردوغان فى السابق ، أدى تخليه عنهما الى اخفاقه الأخير ؛ الأول الحرص على السير فوق الأرضية العلمانية وأمام الخلفية الديمقراطية دون الامعان فى توجهات أيديولوجية فارقة ولم يستطع أردوغان المواصلة الا بتفاهمات براجماتية مع الجيش والعلمانية فى تركيا ، وظل أردوغان حتى قبل ثورات الربيع العربى يتحرك فى هذا الاطار ، الى أن تحول خلال السنوات الأربع الفائتة لتبنى خطابا أيديولوجيا واضحا بحس امبراطورى وتهييج ماضوى عثمانى .


الثانى هو الحفاظ على النقاء السلمى الأبيض دون التورط فى ارهاب أو حتى تهيئة المناخ لذلك بخطابات ومواقف تحريضية فى مسارات القتل والتفجير بالرغم مما تعرض له الاسلاميون الأتراك من اقصاء ومظالم ، وبالرغم من الانقلابات الواضحة المباشرة المتكررة للجيش التركى على الحالة الديمقراطية ، أما المتغير اليوم فهو تحالف للحكومة التركية وللحزب الحاكم مع كل ألوان الطيف الاسلامى الجهادى والتكفيرى الملوث بالعنف .


أردوغان وقع فى فخ التنظيمات المتطرفة فى طريق تطلعاته للزعامة الاسلامية ومنافسته الاقليمية على لقب خليفة المسلمين ، موفراً الملاذ والدعم لتنظيمات فى مواجهة أنظمة وترجيحاً لكفة جماعات فى مواجهة دول ، وهذا السلوك لم يكن فى صالح الدولة التركية ومصالحها التى راعاها أردوغان فى البداية بالتوافق ومخاصمة العنف ، انما تحول مرحلى لمصلحة تطلعات أردوغان الشخصية ومحاولة لفرض واقع مختلف على الساحة التركية بعد سنوات من المداراة خلف عناوين العلمانية والتداول والحريات .

&

الاخوان كذلك اعتمدوا على الدعم الأردوغانى ولم يتعاملوا مع تركيا كدولة انما اختزلوا هذه الدولة العريقة فى شخص أردوغان وحزبه ، وبطبيعة الحال سيضعفون بضعفه ويخسرون بخسارته فهم من ربطوا أنفسهم به منذ البداية ، كما ربط أردوغان مستقبل نفوذه السياسى المحمل بتطلعات الزعامة بتنظيمات وميليشيات ، فى انحراف منهجى عن طبيعة علاقات الدول وتحالفاتها الخارجية .

&

الاخوان تخسر أهم سند وداعم لها ولن يكون لحزب العدالة والتنمية الكلمة الفصل بمفرده فى اتخاذ قرارات بحجم معاداة دولة اقليمية كبرى بحجم مصر وتوفير الملاذ والدعم لمحرضين عليها من داخل الأراضى التركية، أى أن مصير قيادات الاخوان وحلفائهم هناك غامض مع تراخى قبضة أردوغان عن السلطة .

&

الأتراك تخوفوا من التحول لما يشبه الديكتاتورية المقنعة خاصة أن أردوغان كان يسعى بالحصول على الأغلبية لتحول النظام الرئاسى وتكريس السلطات فى يده ، وأثرت التوجهات الجديدة على واقع الحريات فى تركيا وأسلوب تعامل السلطات مع المخالفين فى الرأى خاصة ما حدث فى ميدان تقسيم .

&

ستؤثر هذه الخسارة الجديدة بفقدان الأغلبية داخل البرلمان لحزب العدالة والتنمية سلبياً على أوضاع الاسلاميين المصريين فى تركيا ، فهذا التعامل الذى حمل قدراً كبيراً من المحاباة والاحتواء والدعم وتوفير الملاذات والتغاضى عن التكفير والتحريض ضد مصر ، لم يكن مجمعاً عليه داخل الطيف التركى السياسى والفكرى ، انما كان احتكاراً لحزب العدالة والتنمية ولتيار أردوغان فحسب ، وعندما يصعد منافسون آخرون مناهضون للحزب وسياساته ، فالقضية الأولى التى ستخلق انقساماً بشأنها واعادة نظر حيالها هو وضع الاخوان وحلفائهم الجهاديين فى تركيا ومستقبل حضورهم وممارساتهم على الأراضى التركية .

&

قضية الدكتور محمد مرسى تظل فى اطار القضاء المصرى بدون تسييس أو استخدامها ورقة للضغط والابتزاز وهو المنهج الذى سار عليه أردوغان طوال الفترة الماضية ، بالرغم من أن هناك مئات الشباب سقطوا من كافة التيارات وأغلبهم من التيار الاسلامى بسبب جمود جماعة الاخوان واصرارها على الخيارات الأحادية ، فلماذا لم ينتفض الرئيس التركى لأجل هؤلاء الشباب أو حقناً لدمائهم فضلاً عن المئات من رموز الجيش والأجهزة الأمنية ؟

&

كان من الممكن أن تربح الجماعة فى هذا الملف فقط بالتبكير فى المساومة على ورقة مرسى قبل احالته للقضاء والقبول بخسارة منصب فقط فى مقابل الابقاء على قوة الحركة وكياناتها وأحزابها وأموالها وحضورها القوى فى المشهد السياسى وحقن دماء أبنائها وهذا لم يحدث مما أدى الى انهيار الجماعة والحركة الاسلامية وراءها فى المشهد المصرى ، والسبيل الوحيد لتفادى تكرار فشل الاخوان العام والشامل فى تركيا هو تدارك الأوضاع مبكراً واعادة النظر فى مجمل الأوضاع والمستجدات على الساحة ، والاسراع فى التخلى عن النزعة الاقصائية الاستعلائية والأحلام التوسعية الامبراطورية ، والعودة الى المنهج التوافقى وفك الارتباط بكافة التنظيمات والفصائل المسلحة أو المحرضة على العنف ، والرضا بالامتيازات والانجازات التى تحققت والبناء عليها بالحفاظ على الحضور الاسلامى داخل المشهد الديمقراطى التركى وعدم السير وراء أوهام تحقيق أحلام امبراطورية مستحيلة التحقق .

&

وان لم يسرع أردوغان وحزبه فى تصحيح الأخطاء والاستفادة من تجربة الاخوان فى مصر ، فلن يكون سيناريو تكرار الفشل الشامل مستبعداً ، وبدلاً من الرضا والتسليم بفقدان أحد المناصب وعدد من المقاعد ، سيصبح الاسلاميون الأتراك والمصريون على موعد مع الغرق فى هزيمة واحدة .

&