محمد الساعد

طوال 40 عاماً وأكثر، عملت تنظيمات الإسلام السياسي علناً وخفيةً على تفجير السعودية من الداخل، من خلال صدم المكونات الاجتماعية السعودية بعضها ببعض، أو بين بعض المكونات والسلطة.

&

بل استثمرت معظم جهدها وأموالها وأنشطتها في خلق فتنة بأي طريقة وحيلة، لكن تلك المحاولات فشلت «لحد الآن»؛ بسبب البنية الصلبة التي يتمتع بها المجتمع السعودي، والولاء والمودة العامرة بين الشعب والسلطة ممثلة في العائلة الحاكمة.

&

كما عملت تلك التنظيمات على الاستفادة غير البريئة للتدافع اليومي للمجتمع، وما ينتج منه من بعض الأخطاء الإنسانية وتضخيمها، بل إنها استثمرت الكوارث الطبيعية؛ لقلب الناس على السلطة القائمة.

&

وتعتمد استراتيجية التنظيمات على تهيئة المجتمع وجعله منقاداً لها؛ ليسهل عليها توجيهه نحو مأربها في حال حصلت لحظة السيولة التي يترقبونها منذ عقود.

&

وهو ما حصل تماماً في مصر وليبيا على سبيل المثال، من خلال خلق أعداء وهميين، وإيهام بعض مكونات المجتمع بأنه المسؤول عن الدفاع عن الإسلام ومستقبله، بينما هذه مهمة الشريعة التي تحفظ للإنسان دينه وقيمه، ويؤدي هذا الدور نيابة عن الأمة الحكم الرشيد الموجود.

&

كما عملت على تقسيم المجتمع رأسياً وعمودياً، أي طائفياً وعرقياً ودينياً ومذهبياً، وحتى عنصرياً، فهناك المسلم وغير المسلم، والمتدين وغير المتدين، والشيعي والصوفي والأشعري والإسماعيلي، وكذلك الليبرالي والتغريبي والحداثي، على أن يبقوا هم «الفرقة الناجية» والمجموعة النقية، والذين أصبحوا اليوم وبقدرة قادر «جماعة الإخوان المسلمون» في السعودية، بعدما كشف «الخريف العربي» وجههم الحقيقي.

&

كان الهدف من ذلك كله؛ إحداث لحظة الاشتعال التي يحصل بعدها تفجير المجتمع كله، والدفع نحو انهيار السلطة المركزية، ومن ثم القفز عليها والاستيلاء على كرسيها.

&

ولا أدل من ذلك تردد قيادات التيارات المتطرفة، وحتى من يقدمون أنفسهم على أنهم أكثر وسطية، في التنديد بالعمليات الإرهابية التي تحدث في السعودية، ففي عام 2003، حاول الكثير منهم التمهل لعل تلك العمليات تسفر عن تحقق أحلامهم وأجنداتهم الخفية، وطالبوا وقتها بعدم التسرع باتهام الإرهابيين الصغار الخارجين من تحت عباءتهم.

&

وفي إرهاب الأحساء والقديح والدمام، حاولوا كذلك رمي التهم على دول ليس لها علاقة بالعملية، على رغم وجود خلافات عميقة مع تلك الدول، إلا أن رمي التهمة عليها لم يكن للانتصار للحق، وإنما لحماية الجهد المبذول لتفجير الدولة.

&

ومع الفشل المتواصل لتلك الجماعات وقياداتها في تفتيت المجتمع من الداخل، أو الدفع بمكوناته للاصطدام مع الدولة السعودية، تحولت للبحث عن تكتيك جديد، جاء هذه المرة في جر المملكة كياناً وحكومةً وشعباً إلى الاصطدام مع الدول الأخرى في الإقليم، والانخراط في حروب لا تنتهي.

&

وبدا ذلك واضحاً من محاولات بعض مطلقات «الإخوان» وأيتامهم من تسريب معلومات مغلوطة؛ بأن السعودية تنوي القتال بدلاً عنهم في سورية ومصر وإيران والعراق.

&

وعلى رغم أن السعودية تخوض حرباً في حدودها الجنوبية، لكن هذه الحرب هي حرب جراحية محدودة ستنتهي حين تستنفد أغراضها الاستراتيجية، لكنها أبداً لن تكون حرباً بالنيابة عن أحد.

&

ويرمي رموز تلك الحركة ذات التمدد الدولي، من خلال إعلاميِّهم وقياداتهم الوعظية وبياناتهم المسمومة التي تُكتب مع كل حدث تمر به المملكة أو المنطقة؛ لتوريطها والتخلص من سياسة النفَس الطويل ورجاحة الحكمة التي تفضلها، وجعلها وحيدة في أي حرب تخوضها مستقبلاً.

&

ويعتمد ذلك، على فك التحالف الاستراتيجي السعودي-المصري، السعودي-الإماراتي، والسعودي-الباكستاني، بتضخيم بعض الممارسات الإعلامية، أو اختلاف في المسارات الديبلوماسية غير الجوهرية، على رغم أن بعض الحركيين السعوديين يرتكبون في حق تلك الدول الكثير من الاحتكاكات غير المقبولة، تنفيذاً لأوامر التنظيم الدولي الذي ينتمون إليه.
&