عبد الحميد الأنصاري

الوباء الإرهابي كالمرض السرطاني، في خبثه ومقاومته للعلاج، وفي ضرورة مواجهته بكافة أنواع العلاجات الأمنية والثقافية والدينية، بهدف قطع دابره واجتثاث جذوره، هكذا حال الإرهاب الخبيث في مراوغته واستعصائه على العلاج، ومن ثم تسلله لاصطياد ضحاياه من الشباب الغر، فبعد أن أحكم المجتمع الدولي الخناق على الإرهاب وتنظيماته ودعاته، عبر الملاحقة الأمنية -دولياً- وإصدار دول عديدة تشريعات تجرِّم دعاة الإرهاب والمحرضين وتبعدهم عن منابر التوجيه والتثقيف والتعليم والإعلام بهدف حماية الشباب من أفكارهم الضالة، استثمروا الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة «تويتر»، لنشر أفكارهم المسمومة، لتجنيد الشباب ممن يستهويهم هذا النوع من الفكر المريض، بسبب «القابلية» النفسية والعقلية لديهم، وبسبب ضعف تحصينهم دينياً وثقافياً.

لذلك بدأ المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة التحرك لسد هذه الثغرة الإلكترونية الخطيرة في جبهة مكافحة الإرهاب عبر العديد من الإجراءات.

&

ومن ذلك دعوة «اليونسكو» لعقد مؤتمر يوميْ 16 و17 من هذا الشهر، في باريس، لدراسة السبل الكفيلة بمكافحة التطرف والتشدد لدى الشباب في المجال الإلكتروني، وجاء في بيانها الإعلامي: أن الإنترنت باتت تشكل جزءاً أساسياً من حياة الشباب اليوم، من التنشئة الاجتماعية والترفيه، إلى أداء الواجبات المنزلية، وهي تتيح فرصاً جديدة واسعة النطاق للاتصال والتعليم، وفي الوقت نفسه توفر الشبكة الإلكترونية للمتطرفين والمتشددين أدوات فعالة لنشر الكراهية والعنف واصطياد المجندين المحتملين، وإعدادهم للتحرك، مما يؤدي إلى إنشاء جماعات في الفضاء الإلكتروني من شأنها تشجيع التشدد على الصعيد العالمي.

ويتوقع أن تدعم توصيات المؤتمر عمل الدول في هذا المجال، وكذلك منظمات المجتمع الدولي، من خلال فهم أكثر وضوحاً لاستخدام الإنترنت في إذكاء التطرف العنيف واكتشاف أدوات فعالة للتصدي له.

وفي سيدني، تعهد وزراء دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ، خلال اجتماعاتهم (12 يونيو) بمواجهة التشدد العنيف الذي تروج له جماعات مثل تنظيم «داعش»، وكان من النقاط الأساسية التي ناقشها المؤتمرون، الحاجة إلى مواجهة انتشار أيديولوجية «داعش» على الإنترنت، وكيفية تحقيق ذلك.

وكانت الحكومة الأسترالية قد أقرّت عدداً من القوانين لهذا الغرض، مثل إلزام شركات الاتصالات بحفظ بيانات الزبائن الرقمية لمدة عامين.

وفي الولايات المتحدة، اعترف الفتى شكري علي أمين(17 عاماً)، أمام المحكمة، بأنه مذنب بتهمة دعم منظمة إرهابية، بعدما نشر أكثر من 7 آلاف تغريدة دعائية لـ«داعش» ونداءات لتقديم دعم مادي أو إرشادات للراغبين في الانخراط في الجهاد في سوريا.

وكانت دراسة أميركية أخيرة، كشفت أن ما لا يقل عن 46 ألف حساب على تويتر من مؤيدي «داعش»، وأن ثلثاها بالعربية! إن الأخطر في كل ما سبق، ما كشفته دراسة حديثة قام بها فريق بحثي سعودي بيّن أن تزايد استخدام موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) في دول المجلس، نتج عنه تزايد ظاهرة التطاول على قيادات دول المجلس، وازدراء الأنظمة الخليجية، كما أنتج ارتفاعاً في استعلاء بعض فئات المجتمع على بعضها الآخر، ونشاطاً كبيراً لإحياء النعرات الإقليمية والانحراف الفكري، متمثلاً في التطرف والتطاول على العلماء، إضافة إلى محاولات الإساءة إلى أمن بلدان الخليج وزعزعته، سواء في التغريدات نفسها أو في إعادتها أو في تفضيلاتها.

الدراسة بعنوان «الأبعاد الأمنية للتغريدات المسيئة في توتر وتأثيراتها في شباب دول مجلس التعاون الخليجي»، صادرة من «مركز أبحاث مكافحة الجريمة»، التابع لوزارة الداخلية السعودية، وقد نشرتها صحيفة «الحياة» (9 يونيو 2015)، وانتهت إلى توصيات مهمة:

1- ضرورة مسارعة دول الخليج إلى إنشاء مركز إعلامي موحد، من مهماته: إبراز الحقائق، وسرعة التفاعل في تفنيد الإشاعات ودحضها على وسائل التواصل الاجتماعي.

2- أهمية سن تشريعات تواكب تطورات الجريمة التي تقع عبر وسائل التواصل.

3- أهمية إنشاء مركز حقوقي موحد في دول المجلس، يتولى رفع الدعاوى على المغردين المسيئين إلى هذه الدول بهدف ملاحقتهم قضائياً في الداخل والخارج.

ونبهت الدراسة إلى أن «تويتر» أهم منصة اجتماعية لنشر التغريدات المناوئة لأنظمة الدول وللتطاول على القيادات وتأليب الرأي العام.

وختاماً: أصبح الفضاء الإلكتروني، بما يبثه ويرسخه من مشاعر الكراهية والتطرف والتعصب في نفوس الشباب، أخطر التحديات التي تواجه دولنا في سعيها لتحصين وحماية الشباب من التطرف.

إن خطورة هذه التغريدات المسيئة للأنظمة الخليجية والمحرضة عليها، كونها تهيئ نفسيات وعقليات قابلة لاعتناق فكر التطرف الذي يحول شبابنا إلى «قنابل» بشرية مدمرة.

ومن هنا: تأتي أهمية الإطلاع على هذه الدراسة والإفادة من توصياتها.
&