سمير عطا الله

أتحاشى دائمًا، واجتنب دائمًا، الكتابة في الشؤون اللبنانية لكي لا أُغرق القارئ في تفاصيل صغيرة، ومتغيرات صغيرة، ومواقف صغيرة. المنطقة تغلي غليان المصير، ونحن، إحدى أوائل الدول المستقلة والبرلمانية في العالم العربي، نحن، يبلغنا ميشال عون، زعيم الأغلبية المسيحية في مجلس النواب، الرسالة التالية: «نحن من يُعيِّن رئيس الجمهورية، ونحن من يُعيِّن قائد الجيش». وفي اليوم التالي يثني على كلامه نائب أمين حزب الله الشيخ نعيم قاسم، معلنًا: «إما الجنرال عون أو لا رئيس».


لا حزب عون، ولا حزب قاسم، ينزلان إلى مكان انتخاب الرئيس، مجلس النواب. عون يستدعي الوفود الشعبية إلى مقره في الرابية، والشيخ نعيم يلحق بها إلى المناطق. التعيين البرلماني الديمقراطي لم يحدث بعد. لكن في هذه الأثناء، سجل عون سابقة أخرى غير مألوفة في سياسات لبنان، ولا في مكارمه: الأسبوع الماضي، وقعت في بلدة «قلب لوزة» الدرزية في إدلب، مجزرة كبرى. يحاول الدروز، منذ بدء الثورة، عدم الانجرار إلى الصراع. فهم أقليّة نخبوية في كل مكان: في سوريا وفي لبنان وفي فلسطين.


ذات مرة صرَّح الوزير السابق وئام وهاب، أن دروز لبنان ثلاث فئات سياسية، يمثل هو والمير طلال أرسلان (حلفاء سوريا) 30 في المائة من مجموع الطائفة، ويمثل وليد جنبلاط 70 في المائة، وارثًا زعامة عمرها نحو أربعة قرون.


عندما وقعت مجزرة قلب لوزة، التأمت القيادة الدرزية، الدينية والسياسية، في منزل وليد جنبلاط. وإليه أرسلت التعازي من الدول العربية ومن أنحاء لبنان. أما ميشال عون، فيبدو أنه بعد تأمل عميق في أحزان الدروز وأحزان سوريا وأحزان لبنان، قرر أن يعزّي وئام وهاب بالضحايا، وربما له أسبابه. فوليد جنبلاط يقف ضده في معركة الرئاسة، ويعمل من أجل مرشح توافقي يضع حدًا لانزلاق البلد إلى الجنون الدموي العارم. والسبب الآخر أنه لا يريد أن يزعج حليفيه، «الاستراتيجيين»، (حزب الله والنظام السوري). والسبب الثالث، وليس الأخير، لا يريد أن يشكك أحد من الحلفاء، أو الخصوم، في درجة ولائه لفريق 8 آذار، وحربه «المقدسة» في العراق واليمن وسوريا على السعودية، وحلفاء أميركا.


المشكلة أن ميشال عون لم يوجّه الإهانة إلى وليد جنبلاط، كما تقصد، وإنما إلى الدروز، الذي يقول صديقه ورفيقه وئام وهاب، أنه يمثل 70 في المائة منهم. مع العلم أنه في مثل هذه الظروف المأساوية، ترتفع النسبة كثيرًا لحساب المرجع القيادي التاريخي. كان في إمكان عون أن يتوجه بالتعزية إلى شيخ عقل الدروز. إلى المجلس الدرزي. إلى البيت الدرزي الذي تُقبل فيه التعازي. إلى هيئة مشايخ الدروز في مقرها في الجنوب. نجح عون، عبر السنين، في خلق عدد غير محدود من الأعداء. النكاية السياسية تؤذي صاحبها. أحيانا بلا رجعة.