داود الشريان

بعد ضغوط سياسية داخلية شديدة، اجتمعت الحكومة الألمانية، وأمرت سلطات الأمن بإطلاق الصحافي أحمد منصور، مُقدِّم البرامج الشهير في «قناة الجزيرة»، قبل مثوله أمام المدعي العام، الذي أصدر مكتبه بياناً أشار فيه إلى أن «إطلاق منصور جاء بعد عدم تمكُّن مصر من تبديد المخاوف المتعلقة بعملية التسليم». وهو ما عبّر عنه الناطق باسم الخارجية الألمانية الذي قال أن بلاده «لن تُسلِّم أي شخص لأي دولة قد يواجه فيها حكماً بالإعدام». بيان المدعي العام وتصريح الخارجية أكدا ما نشرته الصحافة الألمانية، من أن «قرار الاعتقال جاء باتفاق بين القاهرة وبرلين».

&

لا جدال في أن اعتقال أحمد منصور في مطار «تيغيل» في برلين كان بدوافع سياسية، لكن موقف القضاء الألماني، والصحافيين الألمان ومؤسسات المجتمع المدني، حال دون إنجاز الصفقة بين برلين والقاهرة، فضلاً عن أن الغموض الذي أحاط بعملية الاعتقال، جعل بعض المسؤولين في تلك المؤسسات، يحذّر من تحويل اعتقال أحمد منصور إلى عربون صداقة للنظام المصري، وتوريط ألمانيا بفضيحة على هذا المستوى.

&

الحكومة الألمانية ستواجه حملة قاسية خلال الأيام المقبلة، من المعارضة والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، بسبب محاولتها توريط ألمانيا بأزمة أخلاقية، لكنها في النهاية ستجد مخارج لورطتها، وهي التزمت عدالة القضاء الألماني، ورضخت للضغوط الداخلية، وانتصرت لحرية الصحافيين.

&

لكن الخاسر الأكبر في هذه الصفقة هو الحكومة المصرية. فعملية الاعتقال الفاشلة عاودت الحملة على نظام الرئيس السيسي في الصحافة الألمانية، وانتقلت العدوى إلى صحف أخرى أوروبيّة، وفُتِح ملف حرية الإعلام في مصر، ووُصف بأنه «يثير أجواء الاشتباه العام في البلاد التي تنتشر فيها الرقابة ولا يجرؤ فيها إلا القلة على توجيه النقد». واتُّهِمت الحكومة المصرية بأنها تُقدِّم الصحافيين إلى محاكم عسكرية وتُصْدِر في حقهم أحكاماً بالإعدام، فضلاً عن التشكيك بنزاهة القضاء المصري، واتهامه بالخضوع لرأي الجالسين على مقاعد السلطة، وتنفيذ رغباتهم السياسية. هل غاب عن الجهات التي رتَّبت هذه الصفقة أن الحكومات الغربية لا تستطيع أن تتجاوز القوانين، وأن لا سلطة لها على القضاء، وتحسب ألف حساب لنقابات الصحافيين، وتخشى تأثيرها على الرأي العام؟

&

لا شك في أن أحمد منصور هو الذي اعتَقَل من سعوا الى توقيفه، وهَزَم بعض الإعلاميين المصريين الذين تحدّثوا بشماتة بعد اعتقاله.

&

الأكيد أن حادثة اعتقال أحمد منصور تشير مجدداً إلى أن هناك من لا يزال يؤمن بأن إسكات الرأي الآخر يفضي إلى الاستقرار، وهذه فكرة تستحق الاعتقال والسجن المؤبد.
&