محمد الساعد

يقول الشيخ محمد الغزالي - المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين - في إحدى أدبياته المنشورة ما يأتي: (كنت بعد المغرب في بيتي بمكة المكرمة، وإذ بالباب يُطرق، فتحت الباب، وإذا بتلميذين من تلاميذي السعوديين في جامعة أم القرى حيث أُدرس، أدخلتهما للبيت، وكنت حينها استمع للمطربة السيدة أم كلثوم، لم أنتبه بداية لرد فعلهما فقد ظلا مرتبكين فترة، ثم تحدث أحدهما، وأنكر عليَّ الاستماع للفنانة أم كلثوم، كانت صدمة بالنسبة إليهم، لكنه الفهم الخاطئ الذي عرفاه هو الذي قادهما لذلك).

&

تلك القصة تلخص بالضبط ما الذي حدث قبل التزاوج بين الحركيين السعوديين وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، وما نتج منه من تشويه هائل للإسلام في العالم، الذي ولّد لنا وللإنسانية كلها تنظيمات إرهابية تمثلت في «القاعدة»، و«داعش» و«النصرة» و«بوكو حرام»... إلخ.

&

بدأ التزاوج باكراً في أواسط الستينات الميلادية، عندما التف بعض أعضاء جماعة الإخوان على كرم الخليجيين وطيبتهم، لكنه لم يثمر عن أجندته القبيحة إلا بداية الثمانينات الميلادية. التزاوج الذي حدث كان سببه فقر الجماعة المالي، وغنى الحركيين السعوديين والكويتيين على وجه الخصوص، الذين تدفقت أموالهم على الجماعة منهمرة وغزيرة، من طريق جمع التبرعات وسرقتها، وتحويلها إلى حساب الجماعة في لندن وجنيف وبرلين، كان المصلي السعودي سخياً، وكانت القضايا الموجعة كثيرة، وكان اللعب على وترها خبيثاً وحقيراً.

&

ولذلك أصبح المستثمر الحركي السعودي هو صاحب الصوت الأمضى داخل الجماعة، وغلب بماله الجماعة ذات الهيكل والقيادة المصرية، وفي ظل هذه الهيمنة الحركية السعودية لم ينجذب الإخواني السعودي إلى الفقه المصري المتسامح، ولم يُرْضِه إلا أن يرى في شوارع القاهرة والإسكندرية، ما يراه في شوارع البطحاء والعليا وبريدة وحائل والطائف، فهام بالتراث القطبي المتشدد المحرض والدموي، وزواج بينه وبين مفاهيمه عن الفنون والمرأة والاختلاط والحريات، ليخرج لنا هذا الغول الذي أكل أخضر العرب ويابسهم.

&

استطاع السروريون والحركيون ليس في السعودية وحسب، بل في الخليج العربي كله، أن يختطفوا الجماعة الإخوانية، ويحولوها إلى ذراع حركي لهم في الخارج، إذ حولت الجماعة في فرعها الكويتي على سبيل المثال فقط أكثر من بليوني دولار خلال الأعوام 2011 و2012، لدعم الجماعة الأم في مصر. لفت ذلك نظر بعض الأنظمة وأجهزة المخابرات في الإقليم والعالم، الذين استطاعوا «توضيبها»؛ لتصبح جماعة مستأجرة، تنفذ أجنداتهم وخططهم وطموحاتهم في القضاء على دول وأنظمة، من خلال هياكلها المنتشرة في عدد كبير من الدول. وسيسجل التاريخ أن أهم ما فعله الحركيون الخليجيون بالجماعة الأم، هو القضاء على حلم التنظيم العالمي بحكم مصر، لقد كان الاندفاع الحركي السعودي والكويتي ساذجاً وغوغائياً – وما زال-؛ لعدم وجود خبرة سياسية متراكمة؛ ولانعدام مفهوم «البراغماتية» في التعامل مع فقه الواقع والظروف الاجتماعية، والبنية الثقافية المتغيرة للدول العربية، بل كان هو السم الزعاف الذي تناولته الجماعة، في جلسة الفرح التي أعقبت استيلاءها الموقت على مصر.

&

كان ذلك الاندفاع والضغط المالي الشديد، سبباً في استعجال تنظيم الإخوان الدخول للانتخابات الرأسية، المصرية، والاستيلاء على البرلمان ومجلس الشورى، والانقلاب على الدستور، وللحقيقة لم يكن ذلك خيار بعض الأجنحة داخل التنظيم، بل كان خيار الحركيين السعوديين والكويتيين، الذين كانوا يتحرقون شوقاً للانتهاء من مصر، وليحولوا مدفع الدبابة الإخوانية نحو الرياض والكويت والإمارات؛ ليستولوا على الحكم فيها بدعم من مصر الإخوانية. كل ذلك حصل لأن التنظيمات «المتأسلمة» في الخليج، قصيرة النظر دموية اليد، لا تحركها سوى الأحقاد، عندها وقعت الجماعة الأم في رمال الخليج المتحركة التي ابتلعت حلمها للأبد.

&

ولو كان هناك من نصيحة تقدم إلى جماعة الإخوان، وهي تحاول بناء نفسها من جديد، بعد الضربة القاصمة التي تلقتها إثر خروج المصريين بالملايين فكاكاً منها ومن شرورها، فهي الانفصال عن الحركيين الأعراب، الذين ما وضعوا يدهم في شيء حتى دمروه، ولا أكثر دلالة هنا مما فعلوه في مصر وسورية وليبيا، خلال الأربعة أعوام الماضية، وقبلها الجزائر وأفغانستان.
&