محمد العسومي

يبدو أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وضع القضايا الاقتصادية على رأس أجندة حكومته بعد أن عزز الاستقرار الذي أعقب أحداث السنوات الماضية، التي فقد فيها الاقتصاد المصري الكثير من قدراته، وتكبد خسائر جسيمة لا يمكن تعويضها بسهولة.

يتضح مثل هذا التوجه من خلال تعزيز الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وإعادة هيكلة الاقتصاد المصري من جهة، وإيجاد شراكات اقتصادية وتجارية دولية جديدة مع مختلف الدول والتكتلات الاقتصادية من جهة أخرى. فداخلياً، تمت إعادة تقييم بعض القطاعات، بما فيها قطاع الطاقة، لتستجيب للمتغيرات المستجدة، كما وضعت سياسات لتقليص عجز الموازنة العامة، وتحقيق معدلات نمو جيدة، خصوصاً أنه تم الإعلان عن مشاريع كبيرة، كتلك الخاصة بإقامة العاصمة الإدارية الجديدة بالتعاون مع دولة الإمارات بتكلفة 150 مليار دولار.

وعلى المستوى الخارجي، فإنه بالإضافة إلى التطور اللافت في العلاقات الاقتصادية مع بلدان كبرى، كروسيا والصين التي ستشكل منافذ مهمة للصادرات المصرية، فقد قاد الرئيس السيسي تجمعاً تجارياً يضم 26 دولة أفريقية في بداية يونيو الجاري أُعلن من خلاله عن إقامة منطقة للتجارة الحرة تضم ثلاثة تكتلات أفريقية، هي «الكوميسا» و«السادك» وتجمع شرق أفريقيا، ترمي إلى إلغاء القيود التجارية والرسوم الجمركية، وتسهيل انتقال السلع والخدمات بين هذه البلدان، مما سيساهم في إيجاد سوق كبيرة تضم 625 مليون نسمة، أي ما يعادل 10% من سكان العالم و52% من سكان أفريقيا، وهو ما يتجاوز عدد سكان الاتحاد الأوروبي.

أما حجم اقتصاد بلدان منطقة التجارة الحرة الجديدة التي وقعت اتفاقيتها رسمياً، فيبلغ 1٫3 تريليون دولار، أي أقل قليلاً من حجم اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي، بينما يصل إجمالي تجارتها 1٫2 تريليون دولار سنوياً، إذ يتوقع أن يرتفع حجم التبادل التجاري بعد التطبيق الفعلي للاتفاقية الجديدة بحلول عام 2017 إذا ما تم الالتزام بهذا الموعد الذي أكده الرئيس المصري في كلمته بالمؤتمر الذي عقد بشرم الشيخ.

بالتأكيد، هناك عراقيل يمكن ن تبرز خلال التطبيق، كالتأكد من إلغاء العوائق الجمركية، وتحديد قواعد المنشأ للسلع الوطنية، والالتزام بالأطر القانونية، إلا أن الدول الـ26 الأعضاء في منطقة التجارة الحرة الأفريقية تملك إمكانات واعدة للاستفادة من هذه الاتفاقية، إذ يمكن أن تساهم في توفير الكثير من فرص العمل وتخفض بالتالي من حجم البطالة المتفاقم، كما أنها ستفتح أبواب 26 سوقاً للبضائع الوطنية لتدخل دون رسوم، مما سيرفع من قدراتها التنافسية، بما فيها للسلع المصرية. وسيشجع ذلك على إقامة مشاريع مشتركة من خلال الفرص التي يوفرها وجود سوق موحدة تجارياً، بما فيها بعض مشاريع البنية التحتية، التي ستساهم في تخفيض تكاليف النقل المرتفعة حالياً.

وبحكم أهميتها الاقتصادية والتجارية ووجود قناة السويس بها، فإنه يمكن لمصر أن تشكل قاطرة لهذا التجمع، وهو ما سيساهم في تحقيق الكثير من المكاسب في العديد من المجالات، خصوصاً أن الاقتصاد المصري بحاجة لتسريع معدلات النمو لتعويض الفرص الضائعة والتردي الذي أصابه بفعل الأحداث والتخريب الاقتصادي وسوء الإدارة في فترة الرئيس السابق محمد مرسي.

مصر تملك الكثير من المقومات التي يمكن من خلالها أن تتحول إلى دولة متقدمة اقتصادياً، فهناك الثروات الطبيعية والكفاءات المؤهلة والموقع الجغرافي المميز والبنية التحتية الملائمة والعلاقات التجارية مع العديد من البلدان والتكتلات الاقتصادية، بما فيها التكتل الخليجي الداعم لمصر بقوة، إلا أن ذلك بحاجة إلى الاستقرار وإلى رؤية اقتصادية كتلك التي يتمتع بها الرئيس السيسي، والتي بدأت تتضح بعض معالمها من خلال توجهاته وسياساته الاقتصادية، والتي ستحمل الكثير من الخير للشعب المصري.