عبدالله بن بجاد العتيبي

المشروع الذي يستهدف نشر الفتنة الطائفية هو مشروعٌ إيراني في الأساس، ولكن هذا لا يعني أن نلغي الأسباب الأخرى مثل خطابات جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي وخطابات المتشددين الطائفيين أينما وجدوا وكيفما تسموا، ودون تبني مشاريع كبرى وطويلة الأمد لتجديد الخطابات الدينية فلن نصل لحلٍ لهذه الظاهرة المرعبة.


يوم الجمعة الماضي استهدفت يد الغدر الداعشية دولة الكويت ووحدتها الوطنية، وذلك بتفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت، وقد ذهب ضحية الحادث أربعةٌ وعشرون مواطنًا وأكثر من مائتي جريحٍ، وهو هجومٌ يمثل استمراريةً لعمليات التنظيم الهادفة لخلق فتنةٍ طائفيةٍ في دول الخليج، بدأت بتفجير الدالوة ثم تفجير مسجد القديح وبعده تفجير مسجد الحسين بحي العنود بالدمام، وللأسف فهذا التفجير لن يكون الأخير بل سيستمر مسلسل التخريب والإرهاب حتى يجد العالم حلاً لمشكلة الإرهاب التي تشكل خطرًا دوليًا لا إقليميًا فحسب.


وفي نفس اليوم تمّ استهداف منتجعٍ سياحي في سوسة بتونس وقام منفذا العملية بقتل السياح الآمنين المسالمين بالأسلحة النارية وراح ضحية الحادث سبعة وثلاثون ضحيةً وستة وثلاثون جريحًا وتم ضرب الموسم السياحي بالغ الأهمية لاقتصاد تونس الذي يسعى للانتعاش بعد الخلاص من الحكم الأصولي فيها.


والحادثة الثالثة كانت بمدينة ليون بفرنسا واستهدفت مصنعًا للغاز من قبل إرهابي يرفع أعلام «داعش» وقام بنحر ضحيةٍ واحدةٍ على الطريقة الداعشية وألقت السلطات القبض على المجرم.
خلافًا لمراد «داعش» فقد حرص الكويتيون على إظهار تماسكهم وتكاتفهم ضد الإرهاب والطائفية، فزار أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد موقع التفجير وكذلك فعل ولي عهده ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزير الداخلية، وفتح أصحاب المستشفيات الخاصة أبواب مستشفياتهم لاستقبال الجرحى والمصابين وجعلوها بطواقمها وكافة خدماتها تحت إدارة وزارة الصحة، وأبدوا بالكتابة وتصوير المقاطع من موقع الحادث رفضهم القاطع للفتنة الطائفية.
الإرهاب مدانٌ بكل أشكاله وأنواعه وألوانه، وسواء كان التفجير في مسجدٍ أو سوق أو مصنعٍ فالإدانة نفسها، ولكن عامة الناس يستبشعون بفطرتهم أن يستهدف المصلون في بيتٍ من بيوت الله وهم ساجدون لله صائمون له في شهر رمضان المبارك دون رادعٍ من دينٍ أو وازعٍ من أخلاقٍ.


إن التخاذل الدولي تجاه الأزمة السورية واحدٌ من أهم أسباب انتشار الإرهاب في سوريا والعراق وفي المنطقة والعالم، وما لم يتجه العالم بقوةٍ وفاعليةٍ لإنهاء الأزمة السورية والقضاء على تنظيم داعش فإنه سيتطور وسيهاجم الدول الغربية؛ في الولايات المتحدة وفي بريطانيا ودول أوروبا وغيرها من دول العالم، وقد قالها الملك عبد الله - رحمه الله - من قبل وهو ما يدفع إليه منطق التاريخ.


استخدام الطائفية والإرهاب كسلاحٍ سياسي هو العنوان الكبير لمشروع إيران في الهيمنة على الدول العربية، وهي قد أحكمت سيطرتها على العراق من خلال تأجيج الطائفية وإسالة دماء العراقيين سنةً وشيعةً مرةً عبر تنظيم القاعدة ومرةً عبر الميليشيات الشيعية التابعة لها، وهي قد فجرت مرقد الإمام العسكري في سامراء وأبادت المئات من الشيعة في سبيل بلوغ هدفها السياسي الكبير.


تحالف تنظيم القاعدة مع إيران حقيقةٌ ثابتةٌ بالشواهد والأدلة وبشهادة رموز القاعدة الكبار المكتوبة والمرئية، وتنظيم داعش هو الوريث الحقيقي لتنظيم القاعدة. و«القاعدة» و«داعش» لم يستهدفا إيران قطّ، ولا بعمليةٍ واحدةٍ، وهذه حقيقةٌ أخرى، والحقيقة الثالثة هي تحالف «داعش» مع النظام السوري في ضرب الجيش الحرّ وفصائل المعارضة، والحقيقة الرابعة هي أن الطرفين يستهدفان الدول العربية وبالذات السنية منها في السعودية ودول الخليج ودول التحالف العربي كأولوية بالنسبة لهما.


إن المناوشات الكلامية بين الطرفين التي بدأت تظهر مؤخرًا لها عدة أسباب؛ الأول تضخم تنظيم داعش والمساحة الواسعة التي يسيطر عليها في العراق وسوريا وتزايد قوته الذاتية من السيطرة على آبار النفط وبيع السبايا وإدارة تجارةٍ واسعةٍ وتحصيل ضرائب عاليةٍ. الثاني، ما يتردد عن تنسيق مع تركيا والمصالح المتبادلة بين الطرفين إنْ في موضوع النفط أو تسهيل دخول المقاتلين أو الموقف من الأكراد وغيرها. الثالث، التخاذل الدولي عن تبني أي استراتيجية حقيقيةٍ للقضاء على التنظيم بسبب ضعف الإدارة الأميركية عن اجتراح أي حلولٍ خلاقةٍ للأزمة السورية التي يدفع إليها انسحابية الرئيس وانعزاليته مع استماتته لإبرام أي اتفاق مع إيران وإنْ على حساب الحلفاء التقليديين لأميركا في المنطقة ولحرصه على عمل اختراقٍ سياسي واحدٍ يمكن أن يذكر في تاريخه لاحقاً.


ليس أمام الكويت إلا الحزم ولا شيء غير الحزم مع كل الخطابات الطائفية التي تفرق المواطنين وتميّز بينهم وأن توقف ماكينة التحريض والتجنيد والتمويل لتنظيم داعش وغيره والتي كان يعلن بعض الأشخاص قيامهم بها من الكويت علانيةً وهي لعبةٌ خطرةٌ، حيث يعلن دعم الإرهاب وتنظيماته تحت غطاء الحرية والديمقراطية، ولا بارك الله في حريةٍ أو ديمقراطيةٍ تكون حصيلتها عشرات القتلى ومئات الجرحى، فأمن الناس أولويةٌ على بعض هوامش الحرية هنا أو هناك.


كدولةٍ مدنيةٍ متحضرةٍ سيكون على الكويت إجراء مراجعاتٍ كبرى واتخاذ قراراتٍ قاسيةٍ وبناء استراتيجياتٍ طويلة الأمد للسيطرة على خطابات الكراهية والإرهاب والطائفية، وهذا واجبٌ قد يرى البعض أنه تأخر، وليس في ذلك عيبٌ، فالولايات المتحدة الأميركية قامت بكثير من ذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وبريطانيا بعد تفجيرات يوليو (تموز) 2007 فعلت الأمر ذاته، وكثير من دول العالم.


لم تقصر الكويت يومًا في مواقفها الإنسانية وهي تبنت أكثر من مؤتمر دولي لدعم الشعب السوري المنكوب من نظام الأسد المتوحش ومن جماعات الإرهاب التي تقف «داعش» على رأسها، وقد دفعت المليارات وقادت العالم في ذلك، والمفارقة اليوم أنها أصبحت شريكةً للشعب السوري في جزء من مأساته حين انطلق الإرهاب من سوريا ووصل للكويت في مسجد الإمام الصادق.


أخيرًا، فقد أدى التفجير الإجرامي إلى عكس مقصوده بوعي القيادة وتضافر جهود الشعب، وبعد الجريمة فقد اختلط الدم الكويتي السني والشيعي حقيقةً لا مجازًا عبر الحملة الواسعة للتبرع بالدم التي أعلنتها وزارة الصحة، وشعب الكويت أرقى وأوعى من أن ينجرف خلف الشعارات الطائفية البشعة أو أن يفقد ولاءه لدولته لصالح ولاءاتٍ منتنةٍ تستجر من رحم التاريخ الأسود ويراد لها تسيد الحاضر.