عبد الوهاب بدرخان


&جمعة بعد جمعة يفسد «داعش» صلاة الجماعة لمسلمين أصبح واضحاً أنهم، الى أي مذهب ينتمون، لا صلة لهم على الاطلاق بـ «اسلام» هذا التنظيم الإرهابي. من القديح والدمام في السعودية، إلى صنعاء في اليمن، وأخيراً في الكويت، أظهر «داعش» أن لا حرمة عنده للمساجد، ولا حرمة لشهر رمضان المبارك. بل لا حرمة للآمنين في تونس أو في مصر وليبيا أو في فرنسا. لا يمكن أن يكون هناك دينٌ يبيح لمؤمنيه هذه البهيمية المنفلتة، فكل ما كان يروى عن الحرص «الداعشي» المزعوم على تطبيق صارم لـ «الاسلام»، كما يدّعيه، تنفيه ممارساته، ومنذ إطلالة شهر الصوم راح «داعش» يعرض وجوهاً أخرى من وحشيته، التي يبدو أنها لا تزال تخفي ما هو أدهى من شذوذات الإجرام ونزواته، إغراقاً وإحراقاً وذبحاً وإعداماً بالقذائف الصاروخية.

هناك سعي «داعشي» دؤوب إلى إشعال الفتنة، ورغم أنه يضغط على العصب المذهبي إلا أنه مكشوف، ولذلك فهو لن يحقق هدفه، فلا هو صاحب رؤية ولا هو مشروع تغيير. حتى لو كان هناك من يحقق أهدافه من خلال «داعش»، فالمؤكد أنه ليس بشير استقرار بل نذير خراب وانهيار على كل المستويات. وما يسمى «دولة الخلافة» مجرد اسم اتخذته عصابة لا تتقن سوى القتل وادارة الفوضى بالارهاب وأساليب الاحتيال وانعدام الرحمة والأخلاق. هذا في حدّ ذاته يلتقي مع مآرب لأطراف دولية واقليمية تكثر الكلام عن خطر المتطرفين والتكفيريين على استقرار المنطقة، ولا تتردد في مفاقمة الاضطراب. هذه الأطراف تتصرّف وكأن «داعش» جاءها كهديّة غير متوقعة تحمي مصالحها أو تُضيف اليها.

&

&
مع انتشار الاعتداءات خارج رقعة السيطرة التي أحرزها «داعش» في العراق وسوريا، أصبح بالإمكان القول إن هناك أكثر من «داعش»، أو أن لكل بلد «داعشه»، ما يوجب يقظةً قصوى ومراجعةً لكل الخطط والإجراءات الأمنية وعدم إهمال للشبهات حتى لو لم يُسجَّل لأصحابها أي نشاط حديث. فالعمليات الانتحارية الفردية في المساجد كما في السعودية والكويت، والهجمات الفردية أيضاً ضد رواد الفندق في تونس أو مصنع الغاز في فرنسا، تشير إلى وجود بنية إرهابية مدرّبة ومجهّزة ولديها تواصل مع قيادة ما في الخارج. ومن الواضح أن هذه «الخلايا النائمة» و«الذئاب المنفردة» قد أُوقظت ونُشّطت في الآونة الأخيرة، وهذا هو الصداع المقلق الذي تخشاه كل الأجهزة الأمنية بلا استثناء. «داعش» أصبح إرهاباً بلا حدود.

في السعودية، كما في الكويت، ما يصنع الفارق هو الموقف الشعبي، إذ يعبّر بكل حزم وعفوية عن رفض قاطع لمجاراة الإرهاب أياً كانت مراميه، فالمستهدف أولاً وأخيراً هو أمان المجتمع وتماسك نسيجه والعلاقات بين فئاته. والجميع يعلم أن أي قوى أمنية لا تستطيع التنقيب في نيات الأفراد وتوقّع ما يعتزمونه. في كل البلدان الغربية تكاد تكون هناك حملات يومية تقودها الاشتباهات بحثاً عن أشخاص يُحتمل أن يكونوا وقعوا في فخ العبث والضلال. ولا تستطيع الأجهزة في تلك البلدان ترك شكوكها فريسة الصدفة، بل تفضّل استباقها، والحادث الأخير في فرنسا أثار مجدداً الجدل حول الجاني الذي قالت السلطات إنه كان معروفاً لديها لكن سجله «النظيف» لم يستدعِ ملاحقته. وفي غمرة الغضب والاستنكار علت المطالبة بضرورة معالجة هذه المعضلة استباقياً، وسُمعت هذه المطالبة في الكويت، أما في السعودية فيدلّ الكشف عن شبكات للمشتبه بهم إلى أن السلطات أصبحت متمرّسة في مكافحة الإرهاب.

يُعتقد بعض المختصّين بأن تصعيد «داعش» عملياته في هذه الفترة مرتبط بمناسبتين: الأولى مرور عام على إعلان «دولة الخلافة»، والثانية إثبات أنه لم يضعف في مناطق سيطرته، وأنه لا يزال قادراً على التوسّع فيما يؤكد انتشاره خارج سوريا والعراق. وبعد مضي عام من المكاسب والهزائم، استطاع هذا التنظيم استغلال كل الثغرات وعوارض الخلل في استراتيجيات محاربته. ففي العراق تمكّن من ارباك محاربيه سواء كانوا في «التحالف الدولي» أو في حكومة بغداد، وفي سوريا يستفيد من النظام ومن صراعه مع مناوئيه. ولعل «داعش» يستطيع بسهولة القول إن أفضل حلفائه هم المستفيدون من وجوده وجنونه، وإذ أصبحوا هم معروفين، فإنه تمكّن من الحفاظ على غموضه، بل لعلهم يساعدونه على أن يبقى لغزاً مغلقاً، لأن هذا جزء من اللعبة الجهنمية التي يمارسونها من خلاله.

&