محمد خلفان الصوافي

يبدو أن هناك إصراراً على إقناع الرأي العام بوجود صراع طائفي في دول الخليج، مع أن التفجيرات التي تمت في كل من السعودية والكويت لا تعبر سوى عن نجاح السياسات الحكومية في محاصرة أصحاب الفكر المتطرف والإرهابيين، لأنه من الصعب الربط بين أي تيار ديني معتدل، مهما كان مذهبه أو طائفته، وبين تفجير المساجد أو دور العبادة.

التفجيرات الأخيرة، التي طالت عدداً من المساجد الشيعية في كل من السعودية والكويت، أشاعت قدراً لا يستهان به من الحيرة في المجتمع مما دفع الكثيرين إلى محاولة معرفة ماذا حدث لأبناء الخليج الذين عرف عنهم التعايش المذهبي. والمفارقة أنه في حين تقوم الحكومات الخليجية بمواجهة الأخطار الخارجية من أجل الحفاظ على استقرار مجتمعاتها وتحقيق التنمية والرفاهية للإنسان، فإن بعض حاملي الفكر المتشدد يتحمسون لإفشال تلك الجهود من خلال محاولات إشاعة الفوضى، وبالتالي إيجاد مبررات لمن يسعى لتوتير الداخل الخليجي.

ما يتم هو بعيد كل البعد عن قداسة المساجد وبالتالي علينا أن نتساءل إن كنا أمام «تكتيك» جديد من الجماعات المتطرفة يقوم على توظيف المساجد في إراقة دماء المسلمين، وهنا يكون علينا ألا نسميهم بأي مسمى ديني، أم أننا أمام استراتيجية إيرانية جديدة تحاول البحث عن مخرج من المأزق السياسي الذي تعيش فيه بعدما حاصرتها سياساتها ضد جيرانها؟

وكي نحاول فهم ما يحدث، نحتاج إلى «نظرية المؤامرة» على الأقل لحين ظهور من يقف وراء الأحداث المذكورة! والحاجة لهذه النظرية أن الأمر لا يخلو من وجود أطراف إقليمية لها يد فيما يحصل في بعض الدول، هذا من جانب، والحاجة إلى تلك النظرية من جانب آخر لأن الذي يتبني استهداف المساجد تنظيم سني (داعش) في دول سنية، ما يفيد بأن التنظيم لا يهمه موقف الرأي العام السني.

ومن حيث المنطق، فإن المشهد السياسي العام في المنطقة يوحي بأن إيران منذ التحرك العربي وهي تخسر مكاسبها الاستراتيجية في المنطقة التي حققتها قبل «عاصفة الحزم»، بل إن الملف النووي الذي كانت تناور به «حشرها في الزاوية»، وهي الآن، كما يصفها البعض، «النمر الجريح»، أي أنها تحاول أن تدافع عن نفسها من خلال إيذاء الآخرين وتفجير الوضع الداخلي في المنطقة. هذه أحد التكتيكات المعروفة لتخفيف الضغط على النظام.

المشكلة أن الذي يساعد على أن يظهر الأمر كأنه صراع طائفي داخلي في دول الخليج، وأن إيران لا يد لها فيه، وجود بعض رجال الدين السنة ممن يؤيدون الفكر التكفيري «الداعشي» أو يتعاطفون معه على الاقل. وهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض ضد مخالفيهم من أبناء الوطن الواحد وبالتالي إخراج أي دور لقوى سياسية في المنطقة، والكارثة أنهم يتصورون بذلك أنهم ينتصرون لطائفتهم مع أن الأمر يخدم إيران ويمس النسيج المجتمعي.

الذي وسع من مسألة تكرار عمليات استهداف مساجد الشيعة هو تراجع الخطاب التوعوي لرجال الدين، حيث يبدو أن هناك من التزم بالصمت عن توضيح المسألة للجماهير، ربما في انتظار توجيهات سياسية مباشرة. أو أن بعضهم اختفى تماماً عن المشهد السياسي لأن هناك تخوفاً من تفسير أي موقف لهم على أنه تأييد لما تفعله إيران في «سنة المنطقة» خاصة في العراق وسوريا ولبنان، حيث تظهر المشاهد المصورة بشاعة التعذيب الذي يتعرضون له على أيدي المليشيات الإيرانية.

التاريخ يذكر لنا أن إيران عادة ما تبني مصالحها السياسية من خلال نشر القلاقل وعدم استقرار منطقة الخليج. وتاريخ إيران يشهد على إثارتها للنعرات الطائفية في العالم، باعتبار ذلك مدخلها الأساسي لمشاغبة الآخرين عندما تجد نفسها في مأزق، وبالتالي فإن التفسير الأقرب إلى المنطق أنها هي من تقف وراء ما يحدث.

أختم بالقول إنه من العبث أن يقتصر إعلامنا الخليجي على تناول الحالات التفجيرية باعتبارها أخباراً فقط، إذ تبدو بذلك وكأنها تتفرج على ما يحدث وأنها غير معنية بمحاولات البعض لتفجير الوضع الداخلي لدول المنطقة العربية، حيث توجد الكثير من «الميليشيات الدينية»، وكلها تحاول أن تنتصر على الدولة الوطنية. وفي ظل وجود دولة مثل إيران اعتادت الاستفادة من هذه الحركات، فإن الأمر يحتاج إلى وقفة حقيقية وليس الاكتفاء بترديد أن الإرهاب حالة دولية.
&