عمار علي حسن

لم تفلح الجهود والاحتياطات الأمنية الهائلة في كشف الغموض الذي يلف ظاهرة التطرف الديني والإرهاب، ولم تقدم حتى الآن ما يكفي لتبيان جذوره، وشرح وفضح دوافعه، وكيفية مواجهته، سواء على الصعيد القُطري أم الدولي.

وبات من المتعارف عليه في ضوء التجربة الدولية في مكافحة الإرهاب منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، وحتى قبل هذا التاريخ أيضاً، أن اعتماد الوسائل الأمنية والعسكرية والاستخباراتية وحدها لم يسهم في الحد من هذه الظاهرة، وأن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، الذي تقوده الولايات المتحدة، لم يستطع مجابهة تفاقم هذه الظاهرة بالنظر إلى التعاقب السريع للعمليات الإرهابية التي نفذت على مدار الشهور الماضية.

&

وعلى رغم أن التطرف الديني على المستوى الفكري، واستخدام العنف تحت غطاء الدين، علامتان وصمتا كثيراً من المجتمعات والأديان، إلا أن هناك إجماعاً غربياً على أن التهديد الإرهابي الحالي يأتي من قبل جماعات إسلاموية تستخدم العنف وسيلة لتحقيق أهدافها إلى القدر الذي باتت فيه بعض الكتابات في الغرب، إن لم يكن معظمها، يربط بين الإسلام كدين وبين الإرهاب بشكل مباشر في تصور ضيق وغير منهجي لا يؤدى إلا إلى مزيد من التطرف والتطرف المضاد.

ومع التحفظ على الكثير من هذه الآراء الغربية، لكن الحقيقة الواضحة هي أن دول الشرق الأوسط قد شهدت في العقدين الماضيين موجات من التطرف الديني واللجوء لاستخدام العنف بدأت داخل بعض هذه الدول ثم امتدت لتتخذ لنفسها طابعاً عالمياً.

وهو الأمر الذي يستوجب معه ضرورة البحث عن حلول غير تقليدية لمواجهة التطرف الديني ومكافحة الظواهر الإرهابية ومنع ظهور أجيال جديدة تعتنق الفكر المتطرف أياً كانت طبيعته ومصدره. وتأتى ضرورة البحث عن حلول غير تقليدية لمواجهة ظاهرة التطرف الديني ومن ثم الإرهاب في ضوء عدد من الافتراضات أبرزها:

أولًا: تثبت الخبرة الدولية أن اعتماد الحلول الأمنية والعسكرية لمواجهة الإرهاب لا يكفي وحده لمنع حدوث عمليات إرهابية، كما أن هذه الحلول قد لا تسهم في علاج الخلل الفكري والتطرف الديني للإرهابيين ولا تمنع من ظهور أجيال جديدة تحمل الأفكار المتطرفة نفسها.

ثانياً: مكنت الثورة التكنولوجية الهائلة، خاصة في مجال الإنترنت، المجموعات الإرهابية من أن تنشر أفكارها بحرية بل وتنفذ عمليات إرهابية دون أوامر رأسية مباشرة من قيادة بعينها كما حدث في تفجيرات مدريد ولندن وروما وباريس. ومن ثم لا مجابهة للعنف «السلفي الجهادي» والتفسير المتطرف للدين إلا عبر خلق ونشر أفكار مقابلة تحث على الاعتدال والوسطية ونبذ التطرف.

ثالثاً: لا تكمن مشكلة الإرهاب اليوم في أن منبعه دول الشرق الأوسط أو أن الدول العربية هي منبع الإرهابيين، ذلك أن تنظيمي «القاعدة» و«داعش» قد استطاعا إيجاد موطئ قدم لهما داخل القارة الأوروبية ومن مواطنين أوروبيين مسلمين ولدوا وكبروا داخل دول أوروبية.

رابعاً: يكاد يجمع دارسو الإرهاب في أميركا وأوروبا الآن على أن التفسيرات التقليدية التي سادت حول ظاهرة انتشار الإرهاب غير كافية. تلك التفسيرات التي اعتمدت على مقولات مثل أن الإرهابيين هم نتاج الفقر والضعف الفكري والتعليمي أو نتاج البيئة الاجتماعية والنفسية التي تغذي الطابع الديني المتعصب.

خامساً: تؤكد معظم الدراسات والأبحاث العربية، والغربية أيضاً، أن ثمة علاقة مباشرة بين انتشار الإرهاب وبين اتباع سياسات عالمية جائرة خاصة في منطقة الشرق الأوسط. ولم يقد الاحتلال الأميركي للعراق، وعدم حل المشكلة الفلسطينية، ثم تدخل الغرب في شؤون العرب ومحاولة ترتيبها على مقاس المصالح الأوروبية والأميركية، إلا إلى زيادة هذه الموجة من تفاقم العنف ونشر الفكر المتطرف.

سادساً: تؤكد الخبرة التاريخية أن الدول التي تتمتع بدرجة من الديمقراطية والانفتاح السياسي الداخلي على كافة فئات المجتمع، وتحترم حكم القانون، إلى جانب وجود قدر من التقدم الاقتصادي هي الأقل إفرازاً للأفكار المتطرفة ولاستخدام العنف المجتمعي. ولما كانت منطقة الشرق الأوسط هي أقل مناطق العالم استجابة لعمليات التحول الديمقراطي التي سادت العالم خلال الثلاثين عاما الماضية، فإنها كانت الأكثر إفرازاً لموجات من التطرف الديني والمذهبي بسبب هيمنة أنظمة سياسية سلطوية لم تنفتح على مجتمعاتها بالقدر المطلوب.
&