علي العنزي

لا شك أن العلاقات التي تربط دول مجلس التعاون الخليجي قوية ومتجذرة، تعززها أواصر القربى بين مكونات هذه الدول الاجتماعية والفكرية والسياسية، إضافة إلى التقارب الفكري والسياسي والاجتماعي بين قيادات هذه الدول، لذلك منذ قيام هذه الدول، سواءً بالتوحيد كما حدث بالنسبة إلى المملكة أم بالاتحاد كما في الإمارات بعد انسحاب البريطانيين منها، أم إعلان الاستقلال بعد الانسحاب البريطاني عنها كما في البحرين وقطر والكويت وعمان؛ استطاعت دول الخليج العربي أن تكوِّن تقارباً سياسياً بينها، توج بتأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981، ليكون المنظومة السياسية التي توحد رؤية وأهداف ومواقف دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك يمثل الطموح لشعوب دول المجلس نحو الوحدة، وهو ما تضمنه الهدف الرئيس من أهداف التأسيس، علماً أن الأحداث التي كانت تعصف بمنطقة الخليج العربي، لا سيما الثورة الإيرانية وتداعياتها على المنطقة، ومنها اندلاع الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثمانية أعوام، كانت أحد الأسباب الرئيسة التي سرّعت بإنشاء المجلس.

&

واليوم، وبعد مرور 34 عاماً، تواجه منطقة الشرق الأوسط، لا سيما العربية منها، أحداث وتحديات لا مثيل لها، حتى أن عدداً من هذه التحديات يصل إلى مسألة الوجود والكينونة لدول المنطقة، فأحداث ما يسمى بالربيع العربي التي كان عدد من المراقبين يعتقد بأنها ستنحصر في الدول التي كانت عرضة لها، بدأت تتمدد وتتطور، حتى إنها تحولت إلى حروب أهلية، كما هو حاصل في سورية وليبيا والعراق واليمن.

&

استغل الطرفان فيها، سواءً أنظمة هذه الدول؛ لتضرب شعبها ومواطنيها الذين يعارضون نهج هذه الأنظمة في الإقصاء والتفرد في الحكم، أم المنظمات الإرهابية التي استطاعت من خلال هذه الأوضاع أن تتغلغل وتتمدد في المنطقة؛ لتصبح تهديداً عابراً للحدود، يهدد استقرار الدول التي لم تشهد تلك الأحداث كدول الخليج العربي؛ لتصبح هذه المنظمات الإرهابية أداة في الضغط على دول الخليج العربي المستقرة؛ لتنفيذ سياسات وأطماع خارجية، سواءً أكانت إقليمية أم دولية.

&

خلال الأشهر الماضية كانت هناك بعض العمليات الإرهابية في السعودية والكويت، التي تستهدف زعزعة الاستقرار من خلال استهداف طائفة معينة؛ لخلخلة النسيج الاجتماعي للدولتين، حتى تستطيع هذه المنظمات الإرهابية ومن يدعمها ويمولها؛ أن يخترق من خلال الفتنة التي يحاول خلقها في جسد هذه الدول السياسي والاجتماعي، ومن ثم ينشر الفوضى وعدم الاستقرار فيها، لكن شعب الدولتين وبتلاحمهما مع قيادتيهما فوتت الفرصة على هذه المنظمات الإرهابية، في زعزعة الاستقرار ونشر البلبلة في البلدين.

&

الجميع يعرف أن هناك تنسيقاً أمنياً وسياسياً وعسكرياً بين دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا التنسيق هو ما ساعدها على حماية استقرار وأمن شعوبها أمام التطورات الأمنية التي تعصف بالمنطقة، وكذلك جعلها سداً منيعاً في وجه تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، لكن الكل يعرف أيضاً، أن المنظمات الإرهابية ومن يدعمها، ستحاول أن تزعزع الاستقرار في دول الخليج العربي بعد كل فشل تواجهه، فبعد أن فشلت في السعودية والبحرين، انتقلت إلى الكويت، مما يستوجب أن يكون هناك وعي وتلاحم بين قيادات وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي، إذ يتطور هذا التلاحم والتكاتف إلى النظر في تطوير منظومة مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي وعلى المستويات كافة؛ ليكون هناك توحيد في الجهد العسكري والأمني لمواجهة التحديات، سواءً أكانت إرهابية، أم تدخلات سياسية، أم عسكرية من الدول الأخرى الطامعة في خيرات ومقدرات شعوب الخليج العربية.

&

إن دول الخليج العربي لا بد لها أن تفكر بجدية وقوة في الاتحاد والتوحد في كيان سياسي، من خلال تطوير منظومة مجلس التعاون الخليجي، وتحويله إلى مجلس اتحاد خليجي، يتم من خلاله توحيد الكيانات السياسية في هذا الاتحاد؛ ليصبح القوة الرئيسة في المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فما يحدث في الدول العربية الشقيقة، كاليمن وسورية والعراق وليبيا، هو محفز لدول الخليج العربي للبدء بالاتحاد، إذ أصبحت تلك الدول العربية مسرحاً للتدخلات الدولية والإقليمية، وشعوبها تواجه خطر التمزق في كيانات صغيرة، مما ينذر بأن المنطقة مقبلة على تطورات خطرة جداً، لا سيما ونحن نشاهد ونسمع ما يدور في الأروقة الدولية من مناقشات، فالإرهاب أصبح هو العنوان الرئيس لنشرات الأخبار، ففي يوم واحد كانت هناك ثلاث عمليات إرهابية في الكويت وتونس وفرنسا، ثم بعدها بأيام اغتيال النائب العام في جمهورية مصر العربية أمام منزله، وهو دليل قاطع على ترابط هذه المنظمات وتشابكها وتعاونها والتنسيق فيما بينها، مما يستدعي تنسيقاً دولياً وإقليمياً؛ لمحاربة الإرهاب ومصادر تمويله.

&

إن إقرار آلية عمل اللجنة الخليجية للقائمة الإرهابية الموحدة خلال اجتماع الدوحة في 30-4-2015، خلال اجتماع وزراء داخلية دول المجلس، التي تهدف إلى تعزيز العمل الأمني الخليجي المشترك في مجال مكافحة الإرهاب، هو خطوة جيدة وفي الاتجاه الصحيح، فالتحديات التي يفرضها تنامي المنظمات الإرهابية في المنطقة هي جسيمة، والجرائم التي ترتكبها تلك المنظمات ومن دون وازع من دين أو أخلاق أو ضمير هي مؤشر على فكر ومنهج هذه المنظمات، لذلك أصبح التهديد الذي تشكله تلك المنظمات الإرهابية لدول الخليج العربية ملموساً وواقعاً، وهو ما يستوجب ضرورة توحيد الجهود لمحاربة هذا الفكر الضال، وتجفيف مصادر تمويله، من خلال العمل الموحد المتكامل الذي يأتي تحت مظلة اتحاد خليجي لكيان خليجي عربي موحد؛ لمواجهة ليس فقط ظاهرة الإرهاب التي تأتي في مقدمة التحديات الأمنية التي تواجهها دول الخليج العربي، بل لمواجهة التحديات الخارجية كافة، أياً كان نوعها.
&