إميل أمين

هل دخل العالم مرحلة «إرهاب الصدمات المفاجئة»؟ يمكن بالفعل أن يكون ذلك كذلك، والدليل العملي ما جرى الأسبوع الماضي في توقيت واحد، في الكويت وتونس وفرنسا، والأسبوع الحالي في القاهرة وشمال سيناء، وعليه تتجدد علامة الاستفهام: «كيف الخلاص من الإرهاب الأسود الغادر؟ ثم (وهذا هو الأهم) هل الآليات الكلاسيكية لمجابهته باتت عقيمة؟ وإن كان الأمر على هذا النحو فما العمل في الحال والاستقبال؟».


في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، شارك مدير الاستخبارات المركزية الأميركية جون برينان جلسة «سؤال وجواب» في جامعة هارفارد الأميركية العريقة تمحورت حول سبل مكافحة الإرهاب عالميًا، ولعل المثير في رؤى الرجل «الذي يكذب ليجد لقمة عيشه»، والتعبير هنا أميركي صرف، كان اعترافه بأنها «حرب طويلة للأسف، ولن تنتهي في المدى القريب أو المتوسط».. لماذا؟
لأنه ما لم يكن متوافرًا للإرهابيين من قبل، يتوافر لهم الآن في شكل القدرات التكنولوجية ووسائط الاتصال، ومن خلالها أصبحوا قادرين على اختراق المجتمعات، وغسل الأدمغة، وتجنيد المتعصبين، وإلحاق الأذى بمجتمعات بعيدة جغرافيًا بآلاف الأميال، دون الحاجة إلى مركزية العمل الإرهابي، وربما هذا هو سلاح «داعش» الأخطر والأشد فتكًا، ومعه لا تصلح بالمرة ضربات طائرات التحالف، التي وإن قضت على بعض من تجمعات التنظيم الإرهابي في العراق وسوريا، فلن تطال الأفكار الضالة ذات الأجنحة التي يروجون لها في الفضاء السيبراني.


قبل الهجمات الإرهابية الأخيرة بنحو أسبوعين، صدر عن وزارة الخارجية الأميركية تقريرها السنوي عن حالة الإرهاب العالمي، ولعل أهم ما يستدعي القراءة المحققة فيه، هو الإشارة إلى صعود جماعات مثل «داعش» وقدرتها على تمكين نفسها من خلال نشاطها في استخدام التقنيات والاتصالات العالمية، مما يعني أن المرء بات ينظر إلى عالم أكثر عرضة للصدمات المفاجئة.


الأرقام التي يوردها التقرير حقًا مفزعة، وتؤشر لتفاقم ظاهرة الإرهاب بشكل كبير من حيث عدد الهجمات وفتكها، فضلاً عن حجم المنظمات الإرهابية، فقد ارتفع عدد الهجمات بنسبة 35 في المائة من 9707 هجمات في عام 2013 إلى 13463 في العام الماضي، وكانت هناك 17981 حالة وفاة في عام 2013، وازداد هذا الرقم بنسبة 81 في المائة ليصل إلى 32727 في عام 2014.


ما الذي تخبرنا إياه الهجمات الأخيرة؟
إنها طراز مخالف لنهج «القاعدة» الذي تبدى في أحداث نيويورك وواشنطن عام 2001، إذ يظهر على السطح، ومن أسف، فعالية هجمات «الذئب الوحيد» الذي بات ينمو شرقًا وغربًا، حتى وإن وجد من يدعمه لوجيستيًا، وحال تيسرت له الأمور، سيمضي ولا شك للانضمام إلى الجماعة الأم حيثما تتمركز، والمخيف جدًا، أنه رغم جميع الإجراءات التي قامت بها الحكومات الغربية العام الماضي لمراقبة «الدواعش الجدد» الراغبين في السفر والانضمام إلى البغدادي وصحبه، فقد انضم إليهم نحو 16 ألف مقاتل أجنبي في سوريا والعراق عام 2014.


هل يعني المشهد العالمي الحالي أن الكون أضحى مطية لـ«داعش» وإرهابها؟
بالقطع هذا ما يحاول تنظيم داعش الترويج له، وتصدير رعب إدارة التوحش إلى الدول القريبة من سوريا والعراق، غير أن القضاء المبرم عليه أمر في متناول اليد، لكنه يحتاج في هذه اللحظة إلى عقلية ابتكارية جديدة تجمع ما بين كلاسيكيات مقاومة العنف، والتعاطي مع حداثة الوسائط التي يتبنونها لا سيما إعلاميًا.


يتضح لنا أخيرًا أن الأدوات الصلبة لا يمكنها إغلاق منابع التطرف العنيف. قد توقف زحفهم العسكري، أو تبيد فصائل من جماعاتهم، غير أن الأمر في حاجة إلى نهج أممي جديد، فهي حرب عالمية دون أدنى شك، نهج يعيد صياغة نموذج لمكافحة الإرهاب بحيث يشتمل على ضربات الوقاية المكثفة والسريعة في الحال، ثم التدخل بقوة وعمق لتطهير الأراضي التي يحتلونها تاليًا، وثالثًا محاولة إعادة تأهيل العقول التي كادت تنجرف في الطريق، حتى لا نرى أجيالاً جديدة من الإرهابيين بأسماء متباينة.


لا تكفي هنا الاستجابة العسكرية التقليدية من الحكومات، فالأمر جد خطير، وفي حاجة لمساحة فاعلة عريضة لمؤسسات المجتمع المدني في الداخل، يدًا بيد مع الأجهزة الأمنية المختصة، فالإشكالية الآن تتجسد في اتساع دوائر حركة الإرهاب إعلاميًا ومجتمعيًا ودينيًا واقتصاديًا، بأكثر خطورة مما ذي قبل، وعليه فالحاجة إلى مبادرات محلية ومجتمعية تهدف إلى تقوية قدرات الصمود أمام أجندات التطرف والتلاعب بمقدرات الشباب الذهنية فرض وليس نافلة.
المواجهة الحاسمة كذلك تقتضي التنبّه إلى بعد نفسي غاية في الأهمية، وهو أن الإرهاب، وإن كان وسيلة غير مكلفة لإلحاق الأذى بالطرف الآخر، فإنه في نهاية الأمر لن يتمكن طويلاً من السيطرة على الأراضي التي يحتلها. إنه «يقضم بشهية أكثر مما يستطيع الهضم»، وعليه، يجب ألا نترك فزاعة الإرهاب تقودنا إلى التهويل من القدرات العسكرية لتلك التنظيمات.


أخيرًا أقرت تينا كايدانو منسقة وزارة الخارجية الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب بأن «الولايات المتحدة لا يمكن أن تخوض هذه المعركة بمفردها».. كعادة واشنطن تحضر الجني؛ تخرجه من القمقم ولا يقدر لها أن ترجعه من جديد.


هل ينتظر العالم الأسوأ، خصوصًا أوروبا المترددة وبريطانيا في المنتصف بعد الذي جرى لمواطنيها في تونس؟
كتب جورج أورويل ذات مرة: «ليس المقصود من شن الحرب تحقيق الفوز، بل يجب أن تظل مستمرة ومستمرة».