عبدالله النغيمشي

مع كل نازلة ورزية إرهابية نعاود الحديث عن الإرهاب كما لو كان حدثاً عارضاً واستثنائياً، التأزم الأعتى والأمَضُّ يكمن في تسطيحنا جوهر التطرف، الذي لاتزال خطوط إنتاجه تتزايد طولاً وعرضاً؛ لأسباب سياسية أحياناً، وأحياناً لأسباب شوفينية حزبية دينية، وأحياناً لأسباب فكرية، إما عبر الوعي أو اللاوعي نتجاهل أو نجهل الجذور الأصيلة التي تخلق التطرف والغلو. يتمظهر تسطيح قراءة مقدمات وبواعث التطرف والإرهاب في محاولة توحيد أسباب الإرهاب وصانعيه، كل طيف على طريقته. مع أن كل ظاهرة علمياً وعقلياً من النادر أن تكون يتيمة الباعث والمحرض، إلا في اللاوعي الموجه الاختزالي، ذلك أن كل ظاهرة تكون نتيجة تآزر وتماس معطيات وظروف تأسيسية عدة، ولأن كل فئة أو منظومة شريكة في إنتاج الإرهاب والتطرف، فإن ذلك يدفعها نحو توجيه السبب إلى الآخر كما توحيد السبب، الذي هو من إنتاج الآخر بحسبهم، بوصفه حالاً من الانسحاب والهرب من تبعة الموبقة والرذيلة الفكرية والثقافية والأخلاقية، المتمثلة بصناعة التطرف والإرهاب.

&

الرسمي مثلاً، المتمثل بالنخبة السياسية، والمتماهي معها من المثقفين والدينيين الرسميين، كما الرموز الرسميين عموماً، اعتادوا على أن تكون ساحة النخبة السياسية والوسط السياسي بعيدة عن إثم إنتاج التطرف تماماً، ومن ثم سيكون هذا الخطاب وهالته من المتماهين معه موجهين خارج النسق الرسمي، بوصفه جهة طهرانية غير شريكة بأية حال من الأحوال في التأثير والتأجيج الذي خلق ظاهرة الغلو والكراهية. والنتيجة أن هذه الشريحة ستمارس توحيد سبب الإرهاب ومسببه، وتلقائياً سيكون المدان من هذا الخطاب هو العقائدي الديني الحركي، الذي يمثل معارضة أو شبه معارضة للرسمي وذيوله شعورياً أو لاشعورياً.

&

في جانب آخر، (أنموذجاً) ناحية «الإسلام الحركي السياسي» بما يشمله من الدعاة الحركيين السياسيين والكتاب والمفكرين المؤدلجين حركياً، إضافة إلى عموم المؤمنين الحركيين التقليديين؛ فإنهم يتعاقرون الذهنية الرسمية ذاتها؛ «ذهنية النخب السياسية» من ناحية توجيه وتوحيد سبب الكراهية والتطرف، وأنه سياسي المنشأ والجوهر، وأن ما تعانيه المجتمعات من انحراف ديني ومن تطرف وإرهاب ليس له سبب غير السياسي فحسب، وأن التأزم الفكري الديني والتطرف سببهما الطغيان والاستبداد، متجاهلين أو نافين أن للتيارات الدينية أي سبب ودور في تشكل ظاهرة التطرف.

&

ما بين أروقة الخطاب السياسي و«تكايا» الفكر الديني الحركي، ثمة أطياف تنتج الأحادية ذاتها في توجيه وتوحيد ظاهرة الإرهاب، إما لتماهيها وتحيزها المضمر، وإما لتخوفها من أغلال طرح الحقيقة، المتمثلة بوضع النقاط على الحروف وتوزيع الأسباب بصرف النظر عن الجهة الشريكة في أي سبب، وذلك ما نحن في حاجة إليه، وذلك ما نفتقده ويعز طرحه واجتراحه.

&

(الحصاد)

&

كانت نتيجة توحيد سبب التطرف وتوحيد صانعه غياب الحقيقة وتزايد التطرف، إذا انتوينا القضاء على الإرهاب فنحن في حاجة إلى بسط الصدقية وعدم إظهار بعض الحقيقة وغمط بعضها، ومواجهة الذات من خلال تفعيل قيمة الوضوح والاعتراف والمراجعة الخلاقة الطهرانية، حينها سنتمكن من القبض على الأسباب الكبرى والمؤسسة لظاهرة التطرف والإرهاب في مجتمعاتنا، لكن الواقع يحكي أننا نمارس الإصرار على تغييب وحدات وأجزاء من البواعث والأسباب الصانعة والشريكة في تكوين بنية الغلو والتطرف الديني؛ لأننا اعتدنا على رمي كرة النار فيما بيننا، كي لا ننكشف وندان في متوالية ممتدة من التخاتل المنهجي، لنعترف بأن كل جهة تحمل جزءاً من مسؤولية خطيئة ظاهرة التطرف والكراهية، وإلا فإننا سنظل في تلاوم وعبثية متطاولة تستمرئ القفز على الحقيقة والصدقية.

&

راهناً، وجدت عموم الأطياف الدينية والفكرية والسياسية ولو «موقتاً وظرفياً» من تتحد عليه في توجيه وتوحيد منشأ الإرهاب «داعش»، ما يشي ويؤكد أننا فعلاً نستعيد التمويه المنهجي المتبادل والظرفي الباحث عن جذور ظاهرة التطرف، وأننا اعتدنا ركوب متلازمة التخاتل والانسحاب والهرب من قول ما يجب قوله من حقيقة، واستبدالها بإدانة الآخر وتبرئة وتطهير جناب الذات.
&