سالم حميد

الملاحظ في الحوادث الأخيرة التي وقعت في الكويت وتونس وفرنسا ومصر أن بعض التحليلات الإعلامية المصاحبة لهذه الوقائع الخطيرة تبدو في جانب منها معنية بالسعي لتأويل سياسي أكثر من الاتجاه لتسمية الأشياء بمسمياتها وتوصيف الوقائع مباشرة ودون مواربة، وهذا يعني أن البيئة الحاضنة للإرهاب قد تمتد أحياناً لتشمل الإعلام ومن لا يجدون حرجاً في الخروج بتأويلات مسيسة للإرهاب المكشوف.

&


وفيما يخص العمليات الإرهابية التي ينفذها أفراد ويسارع تنظيم «داعش» لتبنيها، كما حدث في الكويت وتونس، لا يعني الطابع الفردي لتلك العمليات أنها مجرد دعاية عابرة لهذا التنظيم الإجرامي، ولا يعني أن تواجده محصور فقط في العراق وسوريا، بل إن أفكاره المتطرفة والمزاج الانتحاري الذي يزرعه في عقول مناصريه تدق ناقوس الخطر ويفترض أن تدفع المجتمعات والحكومات لاتخاذ إجراءات وقائية وتفعيل دور الأسرة في كل بيت عربي حتى لا تأوي من يعد نفسه للانتحار.

وبشأن مستوى التعاطي الإعلامي لبعض القنوات التي تستضيف أحياناً من يتعاملون ببرود مع الأعمال الإرهابية، وبخاصة عندما يقومون بتسييسها، لابد من القول إن الاستمرار في تأويل مثل هذه الحوادث الإرهابية والبحث عن تبريرات وخلفيات سياسية لها، كل ذلك يهيئ للإرهاب أرضية للتكرار وحث المجتمع على التعايش معه كأمر واقع، بينما يجب أن يكون الهدف من فتح ملف الإرهاب بعيداً عن المزايدات أو التوظيف السياسي، والتركيز على هدف أساسي وهو التخلص من هذه الآفة ومحاصرتها ونبذها والتوقف عن التبريرات السطحية لجرائم الإرهابيين.

إن جريمة اغتيال النائب العام المصري هشام بركات التي حدثت الأسبوع الماضي تعتبر نقطة فاصلة ويجب أن تكون مدخلاً لحسم الموقف من جماعة الإخوان المتأسلمين بشكل نهائي، والأهم من الإجراءات التي يتوقع أن تقوم بها السلطات المصرية وفق معطياتها أن يجري حسم الموقف من الإخوان في الوعي العام الشعبي والنخبوي، وأن يتوقف أنصار التبرير عن التواطؤ مع أبرز جماعة منتجة للإرهابيين بمختلف فصائلهم، وهي جماعة الإخوان. فوفقاً للحدث الأخير في مصر، وبالعودة إلى مجريات مسلسل أعمال العنف ابتداءً بسيناء وانتهاءً باغتيال بركات، يتضح أن هذه الجماعة صارت توظف العنف كما في تاريخها الأسود بناءً على أطماعها التي انتهت عقب خروجها من السلطة على يد الشعب المصري بكل أطيافه ومكوناته، الأمر الذي دفعها لتنفيذ عمليات انتقام مستمرة آخرها اغتيال رمز بارز للقضاء ورجال الدولة في مصر، ثم يأتي بعد ذلك من يبرئون الإخوان ويصدقون بياناتهم الكاذبة، بينما تبتهج خلاياهم بقتل الأبرياء وتفجير السيارات المفخخة، بل إن أحدهم، بحسب ما نقلته الصحف المصرية، ذهب به التشفي بعد اغتيال النائب العام إلى حد الكتابة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي مستفتياً عمن ستكون الشخصية الثانية المستهدفة بالاغتيال!

الدرس الذي يمكن الخروج به بعد الجريمة الإرهابية الجديدة للإخوان في مصر هو أنهم إلى جانب تعطشهم للانتقام من الشعب والقضاء المصريين يعملون على إشاعة الفوضى وإسقاط الدولة، وقد جرب المصريون في فترة صعود الإخوان إلى الحكم كيف أن هذه الجماعة لا يمكنها التصالح مع مبدأ الدولة المدنية الحديثة الممثلة لكل أبناء الشعب، فحتى عندما كانوا على رأس السلطة كانت معاولهم تعمل على تخريب كيان الدولة وأعمدتها وعلى رأسها السلطة القضائية بمحاصرتهم لمجلس القضاء الأعلى، مروراً بحقدهم على وسائل الإعلام ومحاولتهم اقتحام مدينة الإنتاج الإعلامي.

المطلوب الآن ليس الوعظ والتنبيه اللفظي لخطورة الإرهاب، بل التعامل مع منابعه وقادته والمحرضين عليه مباشرة وبحزم ينبغي أن يطال كل من يحملون أيديولوجيا تقوم على معاداة المجتمع واصطفاء الذات باسم الدين وتكفير الآخرين والتخطيط لتفكيك الدول.

وفي المحصلة لا يمكن الحديث بعد الآن عن عودة الإخوان للمشهد السياسي، ومن كان ينتظر منهم بوادر لإثبات حسن النية والجنوح للسلم لم يعد لديه أي مبرر بعد تورطهم المفضوح في العمل الإرهابي الأخير، ويكفي أن تتابع تصريحات قياداتهم وبقايا رموزهم الهاربين لتكتشف مدى ابتهاجهم بجريمة اغتيال النائب العام الذي يمثل منصبه دلالة كبيرة للقضاء في مصر.
&