تونس ما بعد العملية الإرهابية: تحقيقات وإجراءات لتجنب تكرارها


روعة قاسم

&

&

&

&مازالت العملية الإرهابية التي شهدتها مدينة سوسة التونسية والتي راح ضحيتها 38 قتيلا وأربعون جريحا تلقي بظلالها على المشهد التونسي وتثير الكثير من الجدل بين مختلف الأطياف. فقد ظهرت معطيات جديدة بعضها تم التشكيك في صحتها زادت من الغموض الذي أحاط بالعملية برمتها والتي كانت متوقعة الحدوث من حيث الزمان (شهر رمضان) ومن حيث المكان (إحدى المنتجعات السياحية).
فهناك حديث يتم تداوله عن وجود نوع آخر من الرصاص تم استعماله في القتل يختلف عن الرصاص الذي من المفروض أن مصدره السلاح الرشاش الذي كان يحمله القاتل الذي تم الإجهاز عليه وحجز سلاحه من السلطات الأمنية. وتؤكد هذه المعلومة إن صحت أن هناك قتلة آخرين غير المدعو سيف الله الرزقي الذي ظهرت صوره حيا وميتا في جميع وسائل الإعلام باعتباره مرتكب العملية الإرهابية.

محققين بريطانيين

كما تثير مسألة قدوم محققين بريطانيين إلى تونس للتحقيق في هذه الجريمة النكراء الكثير من الجدل بين التونسيين. فالبعض اعتبر الأمر مسا بالسيادة الوطنية وانتهاكا لحرمة الدولة التونسية التي تقتضي أن لا يحقق مع تونسيين وفي جريمة تم ارتكابها على الأراضي التونسية سوى المحققين التونسيين.
لكن البعض الآخر يرى أن الأمر طبيعي باعتبار أن من بين الضحايا الذين لقوا حتفهم 27 بريطانيا وأن هناك شبهة تحوم حول استهداف الدولة البريطانية باعتبار أن الفندق المستهدف يؤمه عادة السياح البريطانيون وعرف عنه ذلك. كما يرى هؤلاء أن قدوم محققين أجانب سيجعل نظراءهم التونسيين يعملون بجهد أكبر خاصة وأن هناك حديثا غير دقيق عن اختراق التكفيريين لأجهزة الأمن التونسية خلال فترة حكم الترويكا السابقة من خلال ما يعرف في تونس بـ»الأمن الموازي».

تصريحات متناقضة

وكانت خلية الإتصال في رئاسة الحكومة قد أعلنت في وقت سابق أنه تم إيقاف ثمانية مشتبه فيهم بالضلوع في هذه العملية الإرهابية من بينهم امرأة، في حين صرح الناطق الرسمي بإسم النيابة العمومية، التي تعتبر وفقا لقواعد الإجراءات الجزائية الجهة الوحيدة المخولة للإذن للقوة العامة بالقبض على المشتبه فيهم وجلبهم إلى العدالة، أنه لم تتم إحالة أي من المشتبه فيهم إلى القضاء. وهو ما أثار حالة من القلق في صفوف الرأي العام نظرا لغياب التنسيق بين كل من رئاسة الحكومة والنيابة العمومية ما سيؤثر سلبا بحسب هؤلاء على سير التحقيقات.
لكن العارفين بالقانون ومصطلحاته من أهل الإختصاص يؤكدون على أنه لا تناقض بين التصريحين، وكل ما في الأمر أن رئاسة الحكومة لم تستعمل العبارة القانونية الدقيقة، فعلى ما يبدو أنه تم القبض على مشتبه فيهم من قبل الضابطة العدلية (أي الشرطة والحرس…..) وتم الإحتفاظ بهم إلى حين إتمام الأبحاث الأولية وليس إيقافهم. فقاضي التحقيق وفقا لقواعد الإجراءات الجزائية التونسية هو الوحيد المخول له إصدار بطاقات الإيداع بالسجن وإيقاف المظنون فيهم تحفظيا على ذمة التحقيق، وبالتالي فإنه لم تتم إحالة أي من المحتفظ بهم على القضاء مثلما أشار إلى ذلك الناطق الرسمي بإسم النيابة العمومية في انتظار إتمام الأبحاث الأولية من قبل من يسمون في تونس مأموري الضابطة العدلية أو المباحث في بلدان أخرى.

جهاز الهاتف

ولعل الخيط الذي سيقود المحققين إلى سبر أغوار هذه الجريمة الغامضة هو جهاز الهاتف المحمول الذي تحدث منه الإرهابي قبل أن يرتكب جريمته وفقا لشهادات عدد من الحاضرين في مسرح الجريمة من المصطافين وعمال الفندق وغيرهم. وقد عثر على هذا الجهاز بعد عملية تمشيط قامت بها الأجهزة الأمنية بالإستعانة بغواصين، لأن منفذ العملية يبدو أنه ألقى بجهازه في البحر خشية من تعقب الأطراف التي كان على اتصال بها قبيل إطلاقه النار على السياح والتي من المرجح أنها عناصر مشاركة في الجريمة.
لكن نتائج التحقيقات في الجرائم الإرهابية السابقة تصيب التونسيين بالإحباط، حيث يتم الكشف عن عدد من القتلة والمتورطين، لكن يتبين في النهاية أنهم فقط الجزء الظاهر من جبل الجليد، وأنهم صغار القوم المغرر بهم لا غير. أما ما خفي من هذا الجبل، أي من خططوا وأعطوا الأوامر، وأغلب الظن أنهم سياسيون ودول أجنبية وأجهزة استخبارات، فلا أحد يكشف عنهم أو لديه الإستعداد للإعلان عن أسمائهم حتى وإن أميط عنهم اللثام من خلال التحقيقات، فلا تسمع من المسؤولين التونسيين غير عبارات من قبيل «أطراف خارجية»، «جهات داخلية» «متآمرون على أمن الدولة»…. دون ان يقع تحديد هذه الأطراف أو الجهات أو المتآمرين.

إجراءات

ويشار إلى أنه تم منع رئيس حزب التحرير رضا بلحاج من اعتلاء المنابر في المساجد في خطب الجمعة في أحد مساجد مدينة سوسة، كما تم منع البشير بن حسين وهو رجل دين مثير للجدل محسوب على التيارات السياسية الدينية وساند المرزوقي في الإنتخابات الرئاسية السابقة، من الخطبة في جامع مساكن الكبير وهي مدينة تتبع إداريا لولاية سوسة. وتعتبر الجهات الرسمية التي أصدرت القرار أن الرجلين يبثان خطابا دينيا متشددا شأنه شأن أئمة آخرين يتوقع أن يتم منعهم أيضا.
وكان الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف في العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني كمال الجندوبي، قد أكد في ندوة صحافية أن الثمانين مسجدا التي سيتم إغلاقها هي خارجة عن سيطرة الدولة وتم بناؤها بدون ترخيص ووضعيتها العقارية لم تتم تسويتها. وسيقع إستكمال إجراءات الغلق بحسب الجندوبي بالتعاون بين وزارتي الداخلية والشؤون الدينية.
&