عبدالله بن بجاد العتيبي

أصدرت ‬المحكمة ‬الاتحادية ‬العليا ‬في ‬دولة ‬الإمارات ‬العربية ‬المتحدة ‬حكمها ‬بالإعدام ‬في ‬القضية ‬المعروفة ‬بـ«‬شبح ‬الريم» ‬وذلك ‬بحق ‬المواطنة ‬آلاء ‬بدر ‬الهاشمي ‬بعد ‬إدانتها ‬بقتل ‬المدرسة ‬الأميركية ‬"أبوليا ‬ريان" ‬عمداً ‬طعناً ‬بسكين، ‬وشروعها ‬في ‬قتل ‬قاطنين ‬من ‬الجنسية ‬نفسها، ‬وذلك ‬في ‬الحادث ‬الشهير ‬الذي ‬جرى ‬في ‬ديسمبر ‬الماضي. حكم ‬المحكمة ‬صدر ‬بالإجماع، ‬وصدر ‬وفقاً ‬للقانون ‬الجديد ‬لمكافحة ‬الإرهاب ‬رقم ‬7 ‬لعام ‬2014 ‬بشأن ‬مكافحة ‬جرائم ‬الارهاب، ‬وتجديد ‬الأنظمة ‬والقوانين ‬بما ‬يتوافق ‬مع ‬مستجدات ‬الأحداث ‬والمخاطر ‬التي ‬تهدد ‬الدول ‬واحدٌ ‬من ‬أهم ‬السبل ‬في ‬مواجهة ‬الإرهاب ‬كيفما ‬تشكل ‬وبأي ‬طريقةٍ ‬ظهر.

&


يشهد ‬العالم ‬اليوم ‬انفجاراً ‬للإرهاب ‬الذي ‬ينتسب ‬للإسلام، ‬سنياً ‬وشيعياً، ‬وهو ‬طاغٍ ‬في ‬منطقتنا ‬ويتداخل ‬مع ‬صراعات ‬القوى ‬الإقليمية ‬ويتم ‬توظيفه ‬من ‬قبل ‬بعضها ‬بشكل أو ‬بآخر، ‬ففي ‬حين ‬تتبنّى ‬إيران ‬الإرهاب ‬الطائفي ‬بشقيه ‬السُني ‬والشيعي، ‬فإن ‬دولة ‬إقليمية ‬أخرى «‬تركيا» ‬تتبنى ‬الإرهاب ‬الأصولي ‬المتمثل ‬في ‬جماعة ‬"الإخوان ‬المسلمين" ‬وفروعها ‬الإقليمية ‬والدولية، ‬وتتواصل ‬مع ‬أشنع ‬التنظيمات ‬الإرهابية «‬داعش» ‬في ‬سوريا ‬لمصالح ‬تكتيكية ‬واستراتيجية ‬تتعلق ‬بالنفط ‬الرخيص ‬وقضية ‬الأكراد ‬وغيرها.

هذا ‬الإرهاب ‬الجديد ‬في ‬المنطقة ‬هو ‬إرهاب ‬تختلط ‬فيه ‬الأصولية ‬بالطائفية ‬مع ‬الإيغال ‬في ‬البشاعة، ‬إنه ‬يمثل ‬صراعاً على ‬الهوية ‬يمتح ‬من ‬الجانب ‬الحالك ‬السواد ‬في ‬التاريخ ‬والتراث ‬الإسلامي، ‬ويعود ‬لأيديولوجيات ‬الإسلام ‬السياسي ‬المتمثلة ‬في ‬جماعة "‬الإخوان ‬المسلمين" ‬ومثيلاتها، ‬ويستمد ‬قوته ‬من ‬كل ‬خطابات ‬التشدد ‬والتطرف ‬الديني، ‬والأخطر ‬أنه ‬بات ‬يحمل ‬مشروعاً ‬بديلاً ‬للدولة ‬في ‬العالم ‬العربي، ‬بمعنى ‬أنه ‬يقدّم ‬نفسه ‬كدولة ‬لا ‬كجماعة ‬أو ‬تنظيم ‬فحسب، ‬وهو ‬يتبع ‬أساليب ‬مختلفة ‬في ‬كل ‬دولة، ‬وهو ‬موجود ‬في ‬العراق ‬وفي ‬سوريا، ‬وانتقل ‬لليمن ‬وليبيا ‬ومصر ‬وتونس ‬ويستهدف ‬السعودية ‬ودول ‬الخليج، ‬ويهدد ‬المغرب ‬والجزائر ‬وموريتانيا ‬وبقية ‬الدول ‬العربية. والسؤال ‬هو ‬كيف ‬يجب ‬أن ‬تواجه ‬الدول ‬العربية ‬ظاهرة ‬الإرهاب ‬الجديد ‬هذه؟ ‬وشيء ‬من ‬الإجابة ‬يكمن ‬في ‬خلق ‬استراتيجيات ‬وطنية ‬عليا ‬في ‬كل ‬بلد عربي ‬بحسب ‬ظروفه ‬وإمكانياته ‬ورؤيته، ‬وأن ‬يتمّ ‬الانتقال ‬من ‬الاستراتيجيات ‬الوطنية ‬إلى ‬التكتلات ‬والتحالفات ‬الإقليمية ‬كمجلس ‬التعاون ‬الخليجي، ‬وأن ‬يتمّ ‬تصعيده ‬عربياً ‬عبر ‬جامعة ‬الدول ‬العربية ‬وإسلامياً ‬عبر ‬منظمة ‬التعاون ‬الإسلامي، ‬ودولياً ‬عبر ‬الأمم المتحدة ‬ومجلس ‬الأمن ‬الدولي.

لا ‬يوجد ‬نموذج ‬واحد ‬قابل ‬للتطبيق ‬على ‬الجميع ‬بل ‬على ‬كل ‬دولةٍ ‬أن ‬تجد ‬سبيل ‬الخلاص ‬من ‬هذا ‬الإرهاب ‬الجديد ‬بما ‬يواكب ‬طبيعتها ‬وتاريخها ‬ومجتمعاتها ‬وإمكاناتها، ‬على ‬أن ‬يتم ‬ذلك ‬عبر ‬الإقرار ‬بالمشكلة ‬أولاً ‬وملاحقة ‬جذورها ‬ثانياً، ‬ويكون ‬في ‬الإقرار ‬توصيف ‬دقيق ‬وحاسم ‬لطبيعة ‬وحجم ‬المشكلة ‬مهما ‬كبرت ‬وتشعبت ‬ومهما ‬كانت ‬قاسية، ‬ويكون ‬في ‬ملاحقة ‬الجذور ‬تتبعها ‬مهما ‬بعدت ‬في ‬التاريخ، ‬ومهما ‬انتشرت ‬في ‬الجغرافيا، ‬ثم ‬تأتي ‬بعد ‬ذلك ‬المرحلة ‬الثالثة ‬التي ‬تكمن ‬في ‬المواجهة ‬الشاملة ‬والحاسمة. في ‬زمن ‬الطغيان ‬الطائفي ‬على ‬المشهد ‬المعاصر ‬في ‬الشرق ‬الأوسط، ‬فإن ‬الواجب ‬على ‬المجتمعات ‬السُنية ‬والمثقفين ‬والإعلاميين ‬أن ‬يعترفوا ‬بمسؤولية ‬بعض ‬غلاة ‬السُنة ‬عن ‬هذا ‬الإرهاب، ‬وعلى ‬المجتمعات ‬الشيعية ‬والمثقفين ‬والإعلاميين ‬أن ‬يعترفوا ‬بمسؤولية ‬بعض ‬غلاة ‬الشيعة ‬عن ‬ذات ‬الإرهاب، ‬فالاعتراف ‬المتبادل ‬يمكن ‬من ‬تكوين ‬جبهة ‬مضادة ‬لهذا ‬الإرهاب ‬الجديد. ‬هذا ‬الاعتراف ‬يمثل ‬أول ‬خطوة ‬في ‬سبيل ‬الفكاك ‬من ‬دائرة ‬هذا ‬الإرهاب ‬الجديد ‬المظلمة.

أمر ‬آخر ‬جدير ‬بالاهتمام، ‬وهو ‬أن ‬البعض ‬بحسن ‬نية ‬يسعى ‬لجمع ‬السُنة ‬والشيعة ‬في ‬مسجد ‬واحد ‬أو ‬صلاة ‬واحدة، ‬وهو ‬مسعى ‬حميد ‬دون ‬شك ‬ومفيد ‬في ‬لحظات ‬التأزم ‬ولكنه ‬ليس ‬عملياً، ‬ولا ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬طويل ‬الأمد، ‬والحلّ ‬الحقيقي ‬يكمن ‬بالاعتراف ‬بالتنوع، ‬وبحقوق ‬كل ‬طرفٍ ‬في ‬أن ‬يمارس ‬طقوسه ‬وعباداته ‬ضمن ‬طائفته ‬أو ‬مذهبه ‬الذي ‬ولد ‬ونشأ ‬عليه، ‬ولا ‬مجال ‬للتقريب ‬هنا ‬بل ‬المجال ‬للتعايش ‬والتسامح ‬والقبول ‬بالآخر.

عوداً ‬على ‬بدءٍ ‬فقد ‬ذكر ‬الأستاذ ‬زكي ‬نسيبة ‬في ‬محاضرته ‬في ‬مجلس ‬الشيخ ‬محمد ‬بن ‬زايد ‬الرمضاني ‬تحت ‬عنوان «‬أبوظبي ‬بين ‬الأمس ‬واليوم ‬... ‬انطباعات ‬شخصية» ‬أن ‬الشيخ ‬زايد «‬عندما ‬أبلغه ‬مسؤول ‬في ‬بداية ‬عهده ‬أن ‬رئيس ‬القضاء ‬الشرعي ‬حكم ‬بدية ‬متدنية ‬لقتيل ‬هندوسي، ‬بحجة ‬أنه ‬غير ‬مسلم ‬غضب ‬الحاكم ‬العادل ‬رافضاً ‬الحكم ‬قائلاً: ‬أليس ‬القتيل ‬بإنسان ‬مثلنا ‬مثله!‬؟»‬.
&