فوضى معلوماتية بعد أحداث سيناء… والإعلام يحتفي بالسترة العسكرية التي ظهر بها السيسي


حسنين كروم

&لم يهدأ غضب المصريين وتنتهي موجة القلق التي انتابتهم بعد هجمات «داعش» على خمسة عشر موقعا في شمال سيناء للجيش، ومهاجمة قسم شرطة مدينة الشيخ زويد ومحاولة احتلال المدينة، إلا بعد نشر إدارة التوجيه المعنوي صور عشرات من جثث قتلى «داعش»، وارتفاع الرقم لأكثر من مئتين، وإلحاق ضربة قاصمة بالهجوم، مقابل سبعة عشر ضابطا وجنديا زادوا أربعة، بعد وفاتهم متأثرين بجروحهم، وزيارة الرئيس مرتديا زي القائد الأعلى للقوات المسلحة لمدينة العريش وعدد من المواقع التي تعرضت للهجوم، وكلمته التي ألقاها وتأكيده أن الوضع ليس تحت السيطرة فقط وإنما مستقر، وهو ما عكسته الصحف الصادرة يومي السبت والأحد، إذ واصلت إبداء قدر متزايد بالمسلسلات والبرامج التلفزيونية سواء عن عرض حلقاتها وتقييمها أو توجيه الانتقادات إليها أو الإشادة بأبطالها.
كما واصلت الصحف الاستمرار في مهاجمة من حولوا الشهر الكريم من العبادة إلى الاهتمام بالأكل فقط، ومن الآن بدأت بعض محلات الحلوى نشر إعلانات عن كحك العيد وأسعاره. كما رفعت أسعار تذاكر القطارات عشرين جنيها للدرجة الأولى المكيفة وعشرة جنيهات للثانية مكيفة، وعدم المساس بأسعار الثالثة مع حجز تذاكر السفر في العيد ببطاقة الرقم القومي، لمنع السوق السوداء التي تنشأ في الأعياد وتأكيدات وزير التموين أن كل مستلزمات العيد من الأغذية متوافرة، وأن مخزون الدواجن واللحوم يكفي لستة أشهر، وأن منظومة توزيع الخبز وفرت ما لا يقل عن أحد عشر مليار جنيه. كما أكد وزير الزراعة انه سيتم تحصيل قيمة الغرامات من أصحاب الأراضي التي حصلوا عليها للزراعة وحولها إلى منتجعات سياحية، وحدد المبلغ الذي سيتم تحصيله منهم بأنه سيصل إلى مئة وأربعين مليار جنيه، بواقع غرامة خمسمئة جنيه للمتر الواحد. وسيوجه المبلغ لاستصلاح مليون ومئتي ألف فدان جديدة، والبدء في تطوير وإعادة تخطيط الأماكن العشوائية في محافظة الجيزة. وتأييد محكمة جنح مستأنف سجن الراقصة صافيناز ستة أشهر وكفالة عشرة آلاف جنيه، وغرامة قيمتها خمسة عشر ألف جنيه بتهمة إهانة علم مصر بارتدائه على هيئة بدله رقص، وأعلن محاميها أنها في جولة في الخارج ولم تحضر الجلسة لهذا السبب.
وإلى بعض مما عندنا….

الترحم على «زمن الطوارئ الجميل»

ونبدأ بأبرز ردود الأفعال على عملية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات ومطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعديل قانون الإجراءات الجنائية الذي لم يدخل عليه أي تعديل منذ وضعه عام 1937، وأصبح يعطل إصدار الأحكام ويطيل مدد التقاضي بدون أي مبرر، رغم أن هذه التعديلات كانت جاهزة لكنها لم تصدر ولقيت الدعوة حماسا وتأييدا من جانب، وتحذيرات ومخاوف من جانب آخر. ففي يوم الخميس قال زميلنا في «الشروق» أشرف البربري: «لا يجادل عاقل في ضرورة إعدام كل من ارتكب جريمة تستحق هذه العقوبة، لكن إهدار ضمانات المحاكمات العادلة يهدد بسقوط أبرياء تحت طائلة هذه العقوبة، وهو أمر عظيم لو كنتم تعقلون. أما الأصوات التي انطلقت خلال اليومين الماضيين تطالب بالإسراع بإصدار أحكام الإعدام وتنفيذها وتجريد المتهمين من ضمانات المحاكمة العادلة، فتتناسى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي اعترف بوجود مظلومين في السجون، بسبب المواجهة ضد الإرهاب. وهنا علينا أن ندق ناقوس الخطر قبل أن نتحول من مرحلة وجود مظلومين خلف القضبان إلى مظلومين تم إعدامهم، واخشى أن يأتي اليوم الذي نترحم فيه على «زمن الطوارئ الجميل»، لأنه على الأقل كان يوفر المحاكم الاستثنائية لمن تريد السلطة محاكمته أمامها، في حين ترك النظام القضائي والقانوني الطبيعي خارج دائرة العبث تماما، كما جعلنا إرهاب «داعش» نترحم على «زمن إرهاب القاعدة الجميل».

ضرورة الاحتكام للعقل
في إطار المواجهة القانونية للإرهاب

أما في يوم السبت فنشرت «الأهرام» مقالا للدكتور سليمان عبد المنعم حمل قدرا من التحذير في التسرع وقال: «الاحتكام للعقل في إطار المواجهة القانونية للإرهاب يعني مثلا إعادة النظر في بعض الإجراءات التي تطيل أمد المحاكمة بلا مبرر حقوقي، أو ضرورة واقعية، وهي إجراءات كثيرة منها ما يتعلق بتوزيع الاختصاصات، أو بمدد إجرائية أو شكليات صماء لا يترتب على تجاوزها ضرر، حتى للمتهم نفسه، لكن هذا لا يعني تعميم القول بالخروج على الضمانات الأساسية التي توجهها المحاكمة العادلة، لأن هذا ينال من قيمة الدولة العادلة قبل أن يهدد حقا هذا الفرد أو ذاك. ولنتذكر الآن وفي هذه اللحظة بالذات أن رفض طلبات تسليم المتهمين أو المحكوم عليهم إلى مصر، أو رفض إعادة الأموال المصرية المنهوبة، يكون بسبب مثل هذه القوانين والدعوات المتسرعة أيضا، بإحالة قضايا الإرهاب إلى القضاء العسكري، ينسي أصحابها أن دعوتهم في مثل هذه الظروف إنما تسيء ضمنا إلى القضاء العسكري، لأنها بذلك تصوره كلجنة عسكرية مهمتها اقتياد المتهمين إلى حبل المشنقة، من دون اكتراث بقوانين أو إجراءات أو ضمانات».

معصوم مرزوق.. يحذر
من حالة الاستقطاب السياسي في مصر

لكن أبرز ما في «أهرام» السبت كان مقال مساعد وزير الخارجية الأسبق وأحد مؤسسي التيار الشعبي، الذي مهد للإطاحة بحكم الإخوان والمساعد الأكبر لزميلنا وصديقنا حمدين صباحي أثناء حملته في انتخابات رئاسة الجمهورية معصوم مرزوق «ناصري» لأنه دعا إلى مصالحة مع الإخوان المسلمين ومحذرا من استمرار حالة الاستقطاب السياسي في المجتمع المصري بقوله عن وجود الإخوان السياسي: «مثلاً ما يتعلق بحقيقة ما أحرزه الأخوان فعلياً من أصوات في المنافسات السياسية المتتالية بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، بل لا يمكن أن ننسى ما كانوا يحرزونه في ظل تزوير وفساد الحزب الوطني من مقاعد في البرلمان ..نعترف لهم بقوة سياسية معينة لها جذورها على الأرض، وحيز له إطار تاريخي واجتماعي وديني، فذلك يقتضى بالضرورة التعامل الجدي مع هذه الحقيقة السياسية. أما إذا كانت السياسة لدى البعض هي مجرد الإمعان في «حالة إنكار»، أو تلك التي ترفض رؤية الآخر بالكلية، فإن الأوضاع مرشحة لمزيد من التدهور إلى أن يتحقق لهؤلاء المتعصبين على الجانبين أحد شرطين، إما فناء الطرف الآخر وتلاشيه بفاتورة دم قد تصل إلى مئات الآلاف من الأرواح، وبمدى زمني لن يقل عن عشرة أعوام، وإما أن يتخلى طرف عن تمسكه بحالة الإنكار. المرحلة الأولى تمثل إجراءات تمهيدية ضرورية لإعادة بناء الثقة يمكن أن تشتمل على الإفراج عمن لم يتورط في استخدام العنف، خاصة من الشباب، والتزام الإخوان بوقف التظاهر مع إبداء التعاون الفعلي لمواجهة العنف المنظم من بعض الجماعات الأشد تطرفاً، مع تشكيل لجنة سياسية قانونية للتوصل إلى صياغة محكمة لإجراءات عدالة انتقالية ناجزه. تبدأ بعد ذلك مرحلة التفاوض لفترة لا تزيد على ستة أشهر يكون الطرفان خلالها قد اتفقا على أجندة التفاوض من خلال شخصيات يتوافق عليها الجانبان، ويمكن أن تشتمل على عفو رئاسي عن بعض العقوبات /أو تخفيف لها.. اعتراف بالأوضاع القانونية لما بعد 30 يونيو/حزيران.. وبناء على نجاح المراحل السابقة يقوم الرئيس بالدعوة إلى مؤتمر عام لكل القوى السياسية للاتفاق على وتوقيع وثيقة العمل الوطني، التي تتضمن المبادئ الأساسية التي يتفق الجميع على الالتزام بها خلال المرحلة المقبلة ..لقد كانت الصدمة كبيرة في استشهاد محامى الشعب النائب العام، ولكي لا يضيع دمه هدراً أرجو أن نكتب به خطة عمل توقف استمرار نزيف الدم في مصرنا الغالية».

منابع الإرهاب هي الأفكار

هذا ما اقترحه معصوم والملاحظ هنا أنه أراد بحذر شديد عقد مقارنة بين ما حدث في الجزائر في الحرب الأهلية التي أعقبت إلغاء نتائج الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1992 واستمرت عشر سنوات، بقوله في عبارة «بمدى زمني لن يقل عن عشرة أعوام». لكن هذا الكلام لم يعجب في يوم السبت ذاته، رئيس تحرير جريدة «المقال» زميلنا وصديقنا إبراهيم عيسى، وتكوينه الأساسي ناصري، ولكنه أكثر تشددا مع الإخوان والسلفيين ودائم الاتهام للنظام بالتحالف مع حزب النور السلفي، عيسى قال: «لا توجد إستراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب ومن ثم يغيب تماما عن المسؤولين أن منابع الإرهاب هي الأفكار طبعا. الرئيس عبد الفتاح السيسي مس هذه الفكرة كثيرا وأطلق دعوته لتجديد الخطاب الديني، بل لثورة دينية ولأنه لا رؤية ولا إستراتيجية للدولة، فهذه الفكرة ذهبت هباء منسيا، تركها للمؤسسات الدينية الحكومية وهي متهرئة ومخترقة وفاشلة، رغم فخامة الخطب المنبرية التي يسمعها منهم، ثم أن أجهزة الرئيس الأمنية تغطس في نظريتها القديمة الفاشلة، بل المجرمة تاريخيا القائمة على التحالف مع السلفيين والجماعات الإسلامية لضرب الإخوان، ومن ثم أخافت الرئيس من أثر دعوته لتجديد الخطاب الديني، وأنها ستشوه صورته بين الناس وسيستغلها الإخوان وسيفهم جمهور السلفيين أنها دعوة ضد الدين».

غياب المعايير المهنية في وسائل الإعلام

ونظل في العدد نفسه من «المقال» لنكون مع زميلنا أحمد رمضان الديباوي الذي فضل تناول قضية أخرى متفرعة عن الإرهاب أيضا قال: «بعد أحداث سيناء الأخيرة سادت حالة من الفوضى المعلوماتية غير الموثقة وغياب المعايير المهنية في وسائل الإعلام المصرية، التي شكلت بذلك مصدرا غير جدير بالمتابعة والشفافية لدى المواطن، فألجأه ذلك كله إلى الوكالات الأجنبية، التي شكلت بدورها حالة من الحرب النفسية وحالة من الانهزامية وفقدان الثقة في جيشنا الوطني. يلفت الانتباه أيضا بعد تلك الأحداث أن إدارة الشؤون المعنوية في القوات المسلحة تأتي متأخرة ببضع خطوات عن المشهد العام، بينما ينبغي أن تكون سابقة بخطوة أو خطوات، حتى لا يبين الالتباس بذلك الشكل الذي بان به، فهي تتحمل مع وسائل الإعلام المصرية قدرا من المسؤولية، على الرغم من جهودها التي تأتي متأخرة دائما».

سلاح المعلومات صار أخطر
من الـ«آر بي جي»، والهاون…

والمشكلة نفسها كتب عنها في «الشروق» في اليوم ذاته رئيس تحريرها التنفيذي زميلنا وصديقنا عماد الدين حسين « ناصري» بقوله: «أعرف تماما أن إدارة الشؤون المعنوية بقيادة اللواء محسن عبد النبي، وكل العاملين فيها يبذلون جهدا هائلا، وأعرف أنهم مضطرون في بعض الأحيان إلى الانتظار قليلا لكي يتأكدوا عبر أكثر من جهة من صحة المعلومات، وفي حالة الشهداء يقومون بإبلاغ أهاليهم أولا، وأعرف الظروف الصعبة جدا التي يعملون فيها، لكن علينا جميعا أن نعرف أيضا أن وسائل الإعلام العالمية لن تنشغل بكل ذلك، هي تريد المعلومات الطازجة والسريعة. المسألة باختصار أنه في اللحظة التي تنشر فيها وسائل إعلام أجنبية معلومة خبيثة وغير مدققة أو ناقصة أو مختلقة، ولا تقوم الأجهزة المصرية بتصحيحها فورا فإنها تتحول إلى حقيقة لدى كثيرين، خصوصا البسطاء الذين قد لا يعرفون التفريق بين المعلومات الصحيحة وتلك الكاذبة أو المضروبة، وهنا الخسارة الكبرى.المسألة الأساسية أننا جميعا في مركب واحد، وهدف الإرهابيين هو تشكيك المصريين في جيشهم ودولتهم، خصوصا أن سلاح المعلومات صار أخطر كثيرا من الـ«آر بي جي»، والهاون أو الكورينت، وبالتالي فالحل ليس في ترك الساحة الإعلامية خالية لمدة اقتربت من 14ساعة لتنظيم «داعش» وبعض وسائل الإعلام العالمية سواء كانت مهنية أو حتى مشبوهة، لتقدم معلومات غير مدققة. علينا البحث عن حل لمعضلة حماية الأمن القومي وفي الوقت نفسه تقديم المعلومات السريعة لحماية الناس من المعلومات المغلوطة. نتمنى أن يكون ما حدث يوم الأربعاء درسا حتى نقطع الطريق على الإرهابيين ومن يواليهم».

إمكانات مصر البشرية
والاقتصادية تثير حسد الكثيرين

وإلى المعارك والردود المتنوعة التي لا رابط بينها، حيث يضرب أصحابها في كل اتجاه، حيث وجدنا الدكتور بهجت قرني في «أهرام» الثلاثاء يطالب بوضع خطة لاستغناء مصر عن المساعدات التي تأتيها من دول الخليج، رغم أهميتها ومعناها في التضامن مع الشعب المصري، لكن الاعتماد على الخارج أيا كان يشكل خطرا على مستقبل البلاد وقال: «على المدى الطويل يجب أن تضع النخبة الحاكمة حدا لإدمان مصر المساعدات الخارجية، في الحقيقة يشعر الكثير منا بالزهقان والإهانة من النظر إلى هذا البلد على أن كل همه هو التوسل من أجل المساعدات الخارجية، لماذا هذه التركيبة الذهنية عن ديمومة المساعدات في بلد بإمكانات بشرية واقتصادية تثير حسد الكثيرين؟ لماذا استطاعت بلاد مثل كوريا الجنوبية أو ماليزيا أن تعتمد على نفسها؟ بينما لا تستطيع مصر؟ ألم أقل أن عدم استمرار المساعدات الخليجية قد يؤكد أن رب ضارة نافعة؟ فننتهز هذه الفرصة ونضع مسيرة ومصير مصر على نهج آخر غير الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية».

الشيخ عبد الحميد كشك يسخر من أم كلثوم ويلعنها

أما زميلنا المؤرخ ورئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال السابق حلمي النمنم فإنه في «المقال» يوم الثلاثاء أيضا فضّل مهاجمة حملات التيار الديني على قوة مصر الناعمة من الفن وخلافه فقال: «لما حل التشدد الديني قرر أن يسحب سدنة هذا التيار من مصر.. هذه الريادة عبر عدة خطوات بدأت بالإدانة المعنوية والأخلاقية. ويتذكر كثير من المصريين بعض خطب الشيخ عبد الحميد كشك، وهو يسخر من أم كلثوم ويلعنها. تهكمنا على طريقة «امرأة في السبعين تقول خدني لحنانك خدني.. يا ختي خدك ربنا» وأمسك الشيخ كشك معظم الفنانين الكبار على هذا النحو محمد عبد الوهاب وشويكار وفؤاد المهندس وفاتن حمامة وعمر الشريف ثم عبد الحليم حافظ ونزار قباني، وكانت هذه الخطب تعبأ في أشرطة كاسيت وتباع أمام مسجد الجمعية الشرعية في أنحاء مصر، ثم خارج مصر وكانت الدولة المصرية تتابع ذلك كله وفي بعض الحالات تباركه، بعد هذه الموجة من التهكم والسخرية المريرة التي لم تترك فنانا كبيرا، بات الجو مهيأ للخطوة التالية، وهي تحريم الفن والفنون، وصدرت كتب ورسائل وفتاوى في هذا المعنى، وتم تهديد بعض الفنانين بالقتل، عادل إمام مثلا والتشهير بالبعض الآخر في ما يشبه التجريس، ولعلها لم تكن مصادفة أن تلك الفترة نفسها شهدت تسريبات إسرائيلية عن أن كبار الفنانين المصريين مثل محمود المليجي ونادية لطفي كانوا من المتعاونين مع الموساد، أي أن هدف المتشددين والأصوليين التقى في النهاية مع الهدف الإسرائيلي، وهو ضرب الفن والفنان المصري، ومع موجة تحريم الفن امتد الأمر إلى تحريم التماثيل والآثار، ودخلنا في موجة من اعتزال الفنانات وارتدائهن الحجاب واعتزال بعض الفنانين بدعوى أنه حرام، وتحول عدد منهم إلى مجال البيزنس الديني، حتى أن بينهم من انقلب بين يوم وليلة إلى داعية وأحدهم صار داعية بينما كانت شقيقته تصرخ في أنه ابتاع ميراثها من والدها، الذي قرره لها الشرع. والثابت أن هناك أموالا دفعت لبعض الفنانات ومغريات قدمت من شخصيات مصرية تنتمي إلى التيارات الأصولية وبإشراف بعض الشيوخ، ومن يطلق عليهم «الدعاة الجدد» على هذه العملية، وكانت النتيجة أن تراجع الفن المصري أمام الدراما التركية، التي تجد الترحيب رغم أن بعضها يبث قيما تناقض تماما قيم المجتمع العربي».

جعفر النميري كان دائم الشكوى
من مهاجمة كشك له

والمعروف أن الشيخ عبد الحميد كشك كان ضريرا ويتمتع بقدرة خطابية هائلة وخفة ظل بارزة، وكان خطيبا لمسجد دير الملاك بكوبري القبة، وله جمهور كبير وكانت خطبه تسجل على أشرطة وتباع بكميات هائلة، وسجن فترة في عهد خالد الذكر بسبب هجماته ضده في خطب الجمعة ثم أعيد مرة أخرى للمسجد، كما سجن في عهد السادات في اعتقالات سبتمبر/أيلول 1981، وعندما خرج بعد تولي مبارك قال في خطبة له عن فترة المعتقل أنه قابل الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وسأله :- أنت بقى بتاع على حسب وداد قلبي يا بوي، في إشارة للأغنية التي ألفها وغناها عبد الحليم حافظ. وكان الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري دائم الشكوى للرئيس السادات من مهاجمة كشك له. أما أعجب خطبة سمعتها للشيخ كشك فقال فيها مهاجما نظام خالد الذكر «الإنسان كان يخشي أن يسير على رصيف يؤدي إلى مسجد حتى لا يعتقلوه»، في الوقت الذي كان يقول فيه ذلك في مسجد دير الملاك في زمن هذا النظام.

أحد أبرز قادة حركة تمرد
يتعرض لحملة من الشائعات

وإلى معركة أخرى كتب عنها يوم الخميس في «الأخبار» نادر غازي، وكانت عن محمود بدر أحد أبرز قادة حركة تمرد، في وجه حملة يتعرض لها يقول: «شئت أم أبيت أصبحت ثورة 30 يونيو/حزيران واقعا نعيشه، وارتبط محمود بدر وتمرد بالثورة ارتباطا تاريخيا وأبديا.. ثانيا الشائعات التي يتعرض لها محمود بدر كل فترة، وآخرها «مصنع البسكويت» ما هي إلا «هرتلة» حاقدة. ثالثا: إن دخل محمود بدر الشهري من كتابة مقالين أسبوعيا في جريدة «الاتحاد» الإماراتية وموقع «إرم» الإماراتي ورئاسته للملف السياسي في برنامج العاشرة مساء يكفيه ويزيد، كما أن والده لديه عقارات كثيرة يبيع كل فترة منها لتمويل حملته الانتخابية فهو لا يحتاج للرشاوى… أجد البعض يكرهون محمود بدر لمجرد الحقد على شاب في الثلاثين من عمره أصبح واجهة أعظم ثورة في تاريخ مصر، ويصدقون التشويهات التي تلصق به حتى إن كانت غير منطقية.. للأسف. أتمني من جموع الشباب التي تحب مصر اليقظة وأن يساعدوا بعضهم بعضا بعيدا عن «النفسنة» والاستماع لشياطين الإنس الذين يبثون التطرف الفكري ومعاداة الدولة».

اختزال الدولة أو الجيش في شخص الرئيس

وننتقل الآن إلى «المصريون» عدد يوم أمس الأحد لنقرأ مقال رئيس تحريرها التنفيذي محمود سلطان، الذي عنونه بـ«السيسي ليس الدولة ولا الجيش» وقال فيه: «من التقاليد الموروثة عن الديكتاتوريات التي تعاقبت على حكم مصر، اختزال الدولة أو الجيش في شخص الرئيس.. وهو تقليد يستهدف ردع كل مَن يقدم، على نقد الأداء السياسي لرئيس الجمهورية.. فإذا انتقد الأخير فأنت «تهاجم» مصر ـ وذلك في وقت السلم، وتهاجم الجيش وذلك وقت المواجهات العسكرية.. وفي الحالتين فأنت «خائن» و«عميل» و«قابض» من قطر وتركيا.. وطابور خامس للأمريكان والصهاينة! وعبثًا تحاول إقناع المزايدين من أصحاب الأصوات الزاعقة والمتزلفة للسلطة، بأن الرئيس ليس هو مصر ولا هو الجيش.. وعليك أن تبلع لسانك وخلفه عشرات البيادات الميري! بل أن غالبيتهم يعطون الأولوية للرئيس على الجيش وعلى الدولة.. وفي ظل هذه المزايدات الرخيصة، يسوقون لفكرة أن كل معارض «عدو» للبلد ولجيشه الوطني. وفي هذا السياق، فإنه من الضروري التأكيد على الفارق بين أن نصطف خلف الجيش وبين أن نختلف مع الرئيس، وننتقد سياساته. فلا يوجد ـ على سبيل المثال ـ حياد في معركة الجيش ضد الإرهاب.. فالاصطفاف خلف القوات المسلحة في تلك المواجهات، مسألة لا يمكن أن تكون محل جدل ونقاش وخلاف؛ لأنها في منزلة الثابت المطلق في الضمير الوطني العام، وليس هناك أي بديل آخر، غير أن ينتصر الجيش في هذه المواجهات، ولا يمكن بحال أن يكون الإرهاب بديلاً عن الدولة.. فالإرهاب مشروع معاد لفكرة الدولة التي ننشدها: مؤسسات منتخبة وديمقراطية وتداول سلمي للسلطة. هذه مقدمة مهمة.. ولا يعني اصطفافنا خلف قواتنا المسلحة، أن نصطف خلف الرئيس، بل سننتقده حال خالف القانون والدستور.. أو انتهكت أجهزته الأمنية أعراض وحرمات وحريات الناس.. الرئيس منصب سياسي مدني وليس ثكنة عسكرية مكتوبًا عليها ممنوع الاقتراب أو التصوير، أو النقد والمحاسبة. منذ يوم 4/7/2015، والإعلام الموالي، يحتفي بالسترة العسكرية التي ظهر بها السيسي في زيارته لمواقع عسكرية في شمال سيناء.. وظلت الفضائيات المتزلفة وليومين متتاليين وهي تتكلم عن الأسرار الخفية والدلالات العبقرية والتجليات الإلهية.. والرسائل القوية التي أبرقتها «بدلة» الرئيس العسكرية! حملة ممنهجة لتقديس الرئيس، وتعزيز عصمته، وحمايته من المساءلة في وقت باتت مساءلته من مقتضيات الأمن القومي.. نحن لا نرى في المشهد إلا الرئيس فهو يجمع في يده السلطتين التشريعية والتنفيذية.. يفعل ما يشاء في البلد بدون رقيب ولا حسيب. فلا يوجد برلمان منتخب يمارس الرقابة على أداء السلطة التنفيذية التي على رأسها السيسي.. فمن يحاسب الحكومة ومَن يحاسب الرئيس إذن؟! هذا الوضع الذي نعيشه الآن.. وفي هذا المنعطف التاريخي الخطير.. يبين لنا مدى «الجريمة» التي يرتكبها الإعلام المتزلف في حق البلد ومستقبله وسلامه وأمنه القومي».

الديمقراطية تحاصر الإرهاب ولا تقضى عليه

وعن الديمقراطية والإرهاب نقرأ مقال عمرو الشوبكي في صحيقفة «المصري اليوم» عدد يوم السبت يقول: «هل يمكن أن تقضي الديمقراطية على الإرهاب؟ الإجابة القاطعة أن الديمقراطية لا تقضي على الإرهاب، إنما تضعفه وتضعه على هامش المجتمع والفعل السياسي، بشرط وجود دولة قانون قادرة على الإنجاز الاقتصادي والسياسي.
والحقيقة أن مشهد الإرهاب العابر للقارات الذي شهدناه الأسبوع الماضي، وضرب ثلاثة بلدان عربية هي تونس والكويت ومصر، وبلدا أوروبيا هو فرنسا، يقول لنا إن بلدا ديمقراطيا مثل فرنسا شهد مذبحة إرهابية حقيقية على أرضه في بداية هذا العام، تمثلت في الاعتداء الذي نفذه اثنان من مواطنيه المسلمين على صحيفة «شارلى إيبدو» وراح ضحيته 12 شخصا، رغم وجود نظام ديمقراطي مستقر. الديمقراطية الفرنسية لم تحل دون ذهاب عشرات الفرنسيين المسلمين (الذين وُلدوا وعاشوا في ظل نظام ديمقراطي) إلى العراق وسوريا والانضمام إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، مثلهم مثل مئات الأوروبيين الآخرين الذين انضموا إلى التنظيم نفسه وذهبوا إلى البلاد نفسها.
والحقيقة أن تجربة أوروبا الديمقراطية مع الإرهاب هي تجربة طويلة، ولم تكن فقط مع التنظيمات الإرهابية التي سُميت إسلامية، إنما عرفت أيضا في الستينيات رواجا لتنظيمات عنف يساري وثوري قامت بعمليات إرهابية في بلاد أوروبية كثيرة، ونجحت أوروبا في القضاء عليها بالسياسة والديمقراطية والأمن. ولعل وجود الإرهاب في تجربة النجاح الوحيدة بين تجارب الثورات العربية، أي تونس، يعيد طرح السؤال مرة أخرى: لماذا يوجد إرهاب في تونس يستهدف الجيش التونسي والسياح؟
الحقيقة أن تونس تعيش بدايات تجربة تحول ديمقراطي ناجحة، كما أن جيشها محدود العدد والعدة، ولم يتدخل في العملية السياسية ولم يعزل رئيسا ولا خفيرا حتى تكون هناك حجة للاعتداء عليه، كما يردد البعض في مصر، كما أنه بلد دمج جزءا كبيرا من الإسلاميين في العملية السياسية، ومع ذلك هناك إرهاب منظم يستهدف الجيش والمجتمع. الديمقراطية لن تقضي على الإرهاب إنما تحاصره وتنقذ كثيرين من خطر الانضمام لتنظيماته أو التواطؤ معها، لأن مهمة دولة القانون والنظام الديمقراطي أنها تعطي الأمل للمحبطين والمهمشين بإمكانية تغيير أوضاعهم، وأن هناك جدوى للتعبير السلمي عن آرائهم، سواء كانوا مؤيدين للسلطة أو معارضين، وأن هناك مسارا سياسيا يعطى فرصا لجميع القوى السياسية للوصول للسلطة، ما عدا الممارسين والمحرضين على العنف والإرهاب. الديمقراطية تحاصر الإرهاب ولا تقضى عليه، ومعركة الإرهاب مركبة وشاملة، فهى فكرية واقتصادية وسياسية وأمنية، ولن تهزمها بطولات الجيش المصري فقط إنما رؤية سياسية متكاملة لتجفيف منابعه حتى يصبح ممارسوه بضع عشرات أو مئات وليسوا آلافا».

حكايات وروايات

وأخيرا إلى الحكايات والروايات وستكون عن الحاج علي الليثي ابن خالة الرئيس السيسي الذي قابلته زميلتنا الجميلة في «التحرير» شيماء جلهوم وكتبت يوم الأربعاء تحقيقا قالت فيه: «قبل 25 عاما نذرها لله أن لا تنقطع له عادة العرقسوس طيلة شهر رمضان يسقيه شرابا رائقا مجانيا، لمن يريد. لم يعد يتذكر لماذا قرر قبل ربع قرن أن يستن هذه السنة، لكنها صارت هدية العام «البركة اللي باشوفها في الشهر ده أكثر من أي وقت تاني في السنة، أنا بسيب كل تجارتي وشغلي وقبل الافطار كل تركيزي بيبقى في العرقسوس»، محل صغير لحلوى الأطفال في مدخل شارع جانبي ملاصق لمسجد الحسين، هو مصدر رزق الليثي أسرته الوحيدة، لكنه لا يشغل بالا طيلة رمضان إلا بالعرقسوس.. في رمضان أعطي ظهري للمحل ماعرفش عنه حاجة طول الشهر. ويستثمر مع ربنا أفضل 25 عاما قضاها الحاج الليثي في عادة لم تقطعها إلا العمرة الرمضانية التي أداها لمرات متتالية في الشهر الكريم. أوصى ولده الأكبر باستمرارها من بعده ويعلمها لحفيده الذي أتم عامه الثامن قبل أيام «باجيبه معايا يشوفني ويساعدني وتبقى أيده في الحاجة عشان يتعود عليها ويعرف قيمتها لما يكبر وبركتها تحل عليه». ثمة علاقة قرابة تربط الحاج علي الليثي بعائلة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكنه لا يذكرها إلا نادرا فعلاقته مع الله أقرب: «الريس ابن خالتي وأنا ساكن في شقة والده في شارع أم الغلام لكن العلاقات مابقتش زي الأول طبعا بعد ما بقى رئيس». ويتذكر الرجل آخر مرة رأي فيها ابن خالته «كان لسه ما بقاش وزير للدفاع لكن ربنا يكون في عونه من ساعتها».
&