داود الشريان

في مقال نُشر في «الشرق الأوسط» بعنوان «تسقط الكلمات تحيا الأفعال»، يقول علي سالم: «في الدراما كل جملة حوار هي بحد ذاتها فعل ينقل اللقطة أو الموقف إلى اللحظة التالية. نتكلم عن الحوار وليس الكلام». ويضيف: «عدد قليل للغاية من كتّاب الدراما يعرفون الفرق بين «الحوار» و «الكلام» فمثلاً عندما أقول لك: «امبارح رحت لابراهيم وخدت الشاي معاه، قعد يكلمني عن اللي عملته فيه سنيّة، زعلان منها قوي، فأنا قلت له إيه. هذا هو الكلام وليس الحوار تستطيع أن تخرج من فمك أطناناً منه، لكنها تظل عاجزة عن الانتقال من لحظة إلى أخرى».

&

الدراما هي الفعل، هكذا يعرفها أساتذة هذا الفن. لذلك، عجز معظم المسلسلات العربية عن الفعل والوصول إلى الناس، فضلاً عن البقاء طويلاً في الذاكرة، بسبب غياب الحوار، واستبداله بثرثرة لا تفضي إلى فعل أو موقف، ولا تنقل «الصراع» بين الإنسان ونفسه، أو بينه وبين الآخرين والأفكار والمعتقدات. وأزمة المسلسلات العربية لا تقف عند استبدال الكلام المرسل، بالحوار المفضي إلى التغيير، بل تتعداه إلى ضحالة الكلام، وهذا مردّه إلى غياب بناء الشخصيات على أساس درامي يجعل لها دورها وخصائصها داخل الرواية، وهذا الدور يفرض عليها موقفاً تعبر عنه لغتها في الحوار.

&

صحيح أن الصورة في الدراما التلفزيونية والسينمائية لها تأثير كبير، لكن غياب الحوار المستند إلى لغة غنية بالمعاني، يُفقدها القيمة الفنية. في السينما الأميركية والأوروبية يشكّل الحوار بين الشخصيات جزءاً مهماً من المتعة. تشعر وأنت تشاهد أنك تقرأ رواية لماركيز، أو نجيب محفوظ، أو غالب هلسا، وأن الشخصيات التي تتحاور في العمل موجودة في هذا العالم، رغم أنها من خيال الكاتب، ولها رؤيتها وفلسفتها في الحياة، مهما كان شأنها صغيراً، وفي روايات نجيب محفوظ تجد الحكمة على لسان شخصية البواب، والعامل، وبائع الخضار.

&

قبل سنوات، عَرَضَ بعض القنوات العربية مسلسل «الخنساء» للكاتب وليد سيف. إنتاج المسلسل كان فقيراً، قياساً إلى الأعمال الراهنة، لكنه مكتوب بلغة جميلة. كان الحوار، في ذلك المسلسل، مزيجاً من الأدب والفلسفة، وقدّم الكاتب على لسان الشخصيات رؤيتها- أو فلسفتها- للشجاعة والموت والحياة. وحين تَفْرَغ من مشاهدة العمل تشعر بأن روحك شبعت واستمتعت قبل بصرك.

&

للدراما دور مهم جداً في حياة الناس اليوم، وتفيد إحدى الدراسات الكندية، التي نُشرت قبل سنوات، وأشار إليها فكتور سحاب في كتابه «أزمة الإعلام الرسمي العربي»، بأن «الأمّة التي لا تنتج موادها الدرامية تختفي مع الوقت». المؤسف أننا ننتج أعمالاً كثيرة، لكنها لن تساعدنا في فهم أنفسنا وفهم الحياة من حولنا، ولن تحمينا من الغياب، لأنها بلا حوار ولا مضمون... مجرد كلام ساذج بلا فعل ولا قيمة.
&