عقل العقل

اتفاق إيران النووي مع القوى الدولية، استقبل من قبل الشعب الإيراني بالفرح والاحتفالات التي عمت المدن الإيرانية، ارتعب البعض في المنطقة بأن هذا انتصار للنظام الإيراني، والاعتراف بإيران النووية وقد لا يكون هذا دقيقاً.

&

الشعب الإيراني، الذي عبر عن معاناته وما دفعه جراء هذا المشروع الخاص بالنظام وليس للمواطن الإيراني، الذي عانى الحصار والبطالة والتضخم والعزلة عن العالم، في الوقت الذي نجد أن مقدراته الاقتصادية في الأعوام الماضية تذهب إلى الخارج؛ لدعم تنظيمات موالية له في دول المنطقة.

&

حكاية النووي الإيراني، ولا شك في أنها استغلت من النظام وتم تصويرها وكأنها قضية وطنية، ولكن هذه هي حال الأنظمة الشمولية سياسياً ودينياً، التي تختلق الأزمات مع العالم وتضحك على شعوبها بمثل هذه المشاريع، التي تطيل عمر النظام، فأنا أعتقد أن هذه الورقة سقطت من يد النظام أمام شعبه وحلفائه بالمنطقة، فالشيطان الأكبر أصبح الآن هو من سعت إليه طهران، فكم سمعنا عن اتهام الإعلام الإيراني وأتباعه العرب بتبعية الأنظمة العربية مع هذا الشيطان! وأن هذه الأنظمة هي عميلة للغرب الرأسمالي.

&

الآن، إيران تدخل هذا النادي وتحتفل به، أما المقاومة التي كانت ترفعها إيران وتعد بتحرير القدس، فضاعت وتبخرت كما هي العادة الإيرانية باستخدام ورقة المقاومة لدغدغة مشاعر بعض العرب والمسلمين.

&

البعض من العرب يتخوف من هذا الاتفاق، وأن إيران سوف تطلق يدها في المنطقة، للهيمنة والعبث وتصدير الثورة، ومن يستمع لهذا الخطاب يعتقد أن إيران كانت جارة مسالمة مع دولنا العربية في الماضي وهذا غير صحيح، فكلنا يتذكر تبجح المسؤولين الإيرانيين باحتلالهم أربع عواصم عربية، وكل أسبوع نشاهد قاسم سليماني رئيس الحرس الثوري الإيراني وهو يقود مجموعاته العسكرية في أرض العراق، لا يمكن أن تكون إيران أكثر تدخلاً وعربدة مما تقوم به الآن، ولكن باعتقادي أن هذا الاتفاق سيعيد إيران دولة مسالمة للمجتمع الدولي إن صمد هذا الاتفاق في العقد القادم كما هو مقرر له، وقد يكون انعكاسه على الشعب الإيراني ليس لمصلحة النظام كما يعتقد الكثيرون، فأرصدته الضخمة المجمدة بالغرب، التي سيفرج عنها، يفترض أن تستخدم في التنمية في الداخل الإيراني، ولاسيما مع الرفع التدريجي للعقوبات عنها، فالنظام الإيراني لن يجد العدو الوهمي الذي يضحك به على شعبه، فالقضايا الداخلية كلها كانت مؤجلة من النظام في سبيل مشروعه النووي، الآن انتهت اللعبة وتصدير الأزمة وقمع المعارضة في الداخل كله باسم تحقيق حلم الأمة الإيرانية كما كان يسوقه النظام في السابق.

&

القوى الدولية، ولا سيما في الغرب، لها تجارب عملية في الاحتواء العسكري والسياسي مع أنظمة كانت تعاديها، ولديها استراتيجيات طويلة المدى مع توافر أدوات وإمكانات هائلة لتحقيق تلك الأهداف، فالاتحاد السوفياتي، الذي كان وضعه لا يقارن بالنظام الإيراني من حيث القوة الاقتصادية والإيديولوجية، دخلت معه الدول الغربية في حرب باردة، واستطاعت أن تنهكه من الداخل حتى سقط، فما بالنا بإيران؟
&