محمد البصري: يفترض أن يحتفل حيدر العبادي بعد نحو شهر، بمرور سنة على تسلمه مهام رئاسة الحكومة العراقية، لكنه يدرك أنه لم يستطع تحقيق الحد الأدنى من أحلام هذه المسؤوليات، ولذلك بدأ يتكيف مع واقع الجمود السياسي الذي يعتري الحوار مع الأكراد والسنة، ومنذ أسابيع لم يدل بأي تصريح حول الملفات العالقة في مجال الإدارة والأمن والمال.

ولم يعد هذا المستوى من الجمود يمثل الخيبة الأساسية في عهد العبادي، إذ إن عجز الأغلبية الشيعية عن إدارة حوار معقول مع باقي الأطراف، يتحول اليوم إلى عجز أكبر عن خوض القوى الشيعية حواراً داخلياً فيما بينها لتسوية المشاكل، وذلك يهدد بإشعال الأوضاع بين الشيعة، في النجف المركز الديني، وفي البصرة مركز النفط والمال والاستثمارات الدولية.

ففي النجف يحاول البرلمان المحلي إطاحة المحافظ عدنان الزرفي، وهو علماني حليف لنوري المالكي رئيس الحكومة السابق، ويحظى بعلاقات قوية مع الأميركان، لكنه بدأ يستبد بالصفقات المالية ولم يحسن توزيعها، فأثار غضب معظم الأطراف وعلى رأسهم المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم. ولو توقف الأمر عند هذا الحد لكان خلافاً يمكن استيعابه، لكن الاحتقان انتقل إلى البصرة، وكأن أتباع المالكي وحلفاءه يردون على الحكيم بإيذاء محافظ البصرة المنتمي إلى حزبه.

وأُثير الرأي العام هناك بشأن نقص الخدمات المزمن، وخرجت تظاهرة سقط فيها قتيل وجرحى، وحظي الموقف بتطويق سريع، غير أن الأخطر في البصرة وبغداد نفسها، ذلك التنامي الصامت في نفوذ الميليشيات الشيعية الجديدة ومعها منظمة بدر الوكيل الأساسي لحرس الثورة الإيراني في العراق. فالدور المهم الذي يلعبه هؤلاء في إبعاد «داعش» عن بغداد، يتحول الى نفوذ سياسي لا يعترف بأي تفاهمات سابقة، والقادة الشباب للميليشيات يعتقدون أن الزعامات التقليدية أخذت كفايتها من المال والمناصب، وأن الأمر يتطلب «قسمة جديدة» للحصص الدسمة، من عقود وصفقات مليارية.

&ولذلك كان المشهد في البصرة وجهاً من وجوه تدافع سياسي فوق العادة، بين حزب الحكيم، وعناصر بدر التي انشقت عنه قبل خمس سنوات، وتجد نفسها «الجناح المضحي» الذي يواجه بيروقراطية الأحزاب الفاسدة في بغداد!

ولم يظهر حتى الآن زعيم شيعي يدير حواراً داخلياً للتهدئة بين الأطراف، ومرجعية النجف تفضل التزام الصمت بعد شعورها بأن التطورات السياسية تسارعت أكثر مما كان مخططاً لها، أما ما يضاعف الأمور فهو التقشف الحكومي الناتج عن انهيار أسعار النفط، فالمدفوعات تتأخر، والمقاولون وهم وكلاء للأحزاب والميليشيات في الغالب، لم يتسلموا مستحقاتهم، وذلك أدى إلى «شح» في المال، يرافق فاتورة الحرب الباهظة، وهو في مجمله عامل لزيادة «الجشع» عند جميع الأطراف، إلى درجة أن زعيم إحدى الميليشيات، هدد بأن يفتح «تحقيقاً مستقلاً» لكشف فساد عقود الكهرباء، التي تعتبر مورداً سخياً للأحزاب، حتى في زمن التقشف.