سالم سالمين النعيمي

الحرب والسلام وجهان لعملة واحدة، وذلك عندما يكون السلام فترة هدنة لحرب جديدة، وعندما تتحاور مع من وجّه البندقية لصدرك قبل أسابيع ليكون ضمن حكومة الميليشيات الحزبية، وأنت الذي كنت تسمع لفترات طويلة أن الاتفاق على صفقة جديدة من شأنه أن يؤسس لتقاسم السلطة بطريقة تكفل بناء الدولة من جديد مسألة وقت ليس إلا، وعندما تجد نفسك في دوامة لا تنتهي من الوعود والصفقات الجانبية التي تحيط وتتداخل مع خطوط العرض والطول مع كل صفقة رئيسية، وتتحكم رؤى الأشخاص الحصرية في أطروحات المؤسسات الرسمية، فإنه في هذه الحالة يصبح الملعب السياسي مكان الحلول، ويصبح الصراع على حد النفوذ للقوى الإقليمية والدولية هو بؤرة الأزمة ما بين التأثير الشعبي والسياسي والمذهبي والتشغيلي، وبين قوى كانت تعمل لسنين طويلة بخطى ثابتة واستراتيجية واضحة للتوسع والهيمنة، ودول صحت فجأة على صوت طبول الحرب التي كانت تقرع منذ زمن بعيد، ولكن لم يصل صدى صوتها لآذانها إلا مؤخراً لسحق فوضى العنف السياسي، الذي يختبئ خلف عباءة نسخة خاصة من الدين، تهدد السلام العالمي في المجمل، وكل صور التحضر والتمدن ومفاهيم الدولة والوطنية.

ووقف تهديد دعاية الديمقراطية التقدمية الناشئة هو الحل، فهذه الدعاية هي أحد أهم أسلحة الاستعمار الحديث، خاصة في دول في بداية وضعها للبنات الأساس لتدشين منظومة مشاركة شعبية أوسع لا تعتمد على القبلية والمذهب والجنس وتعكس واقعها الوطني وثقافتها بعيداً عن الشعارات ومطالبات النخب التي تغرد خارج السياق والنسيج الشعبي لثقافة الديمقراطية العرجاء في بلدانها، وكأنها تريد أن تبني، ومن ثم أن تضع الأساس في معادلة مستحيلة، ونتيجتها واضحة للعيان في المنطقة من دون أن نغفل حقها في أن ترى خططاً معلنة لما هو قادم، مثلما هو حال بعض دول المنطقة، التي أصبحت مثالاً يُحتذى به في التطور التدريجي المستدام للمشاركة الشعبية.

فالحماس وحده والرغبة الصادقة والقوة وتمويل من يخدم مصالح كل دولة ليست استراتيجية تبنى عليها أجندات عدم تكرار عبث «الربيع العربي». فالشعوب عبرت الجسر بوعيها العام، ولابد أن يأتي وقت لتصل لوعي خاص عقلاني تلونه بلونها الوطني يناسب العصر ويخدم مصالحها في المقام الأول، كوحدة ضمن تحقيق الاستقرار الكلي لها في تصور وحدوي مع جيرانها، التي يشاركونها نفس الميول والطموح والغايات العليا الهادفة لغد أفضل، وهي مدركة أن الكلاب تنبح وتعوي حولها لوجود ما تريد الحصول عليه لديها، ولتحقيق حلمها البائد وفق كل الوسائل غير الشرعية التي ستضع عليها يدها، وتثير الفتنة في كل صوب وواد حتى تفرق اللُحمة والتلاحم، وتفرق لتسد، ولذلك يجب أن يكون الاستقرار الإقليمي والحفاظ على مكتسباتنا ومستوى التنمية المرتفع على جميع الصعد وعدم عرقلة مشاريع النهضة ومقارعة العالم المتقدم، بل التفوق عليه هي الأولويات الأولى لدينا.

ومن ناحية أخرى لابد من أن نستوعب دروس الماضي، ونعي تماماً أن عصر المغامرات قد ولى بلا رجعة، والضمانات الوحيدة اليوم في عالم السياسة المعاصرة هي رسائل تطمينية أقرب للوعود الودية وفق الحاجة، ومرنة بمرونة المصلحة القومية كما أن الحلول العسكرية غير التوافقية، والتي لا تتبعها خطط تنمية خصصت لها البرامج والميزانيات على المدى البعيد لا تحظى بشعبية عميقة في الداخل المتناحر. وبعض الدول المشاركة في تلك الجهود يرى المحللون البارزون والتيارات السياسية والاقتصادية فيها أنها حرب لا تؤثر عليهم بصورة مباشرة، ولكنهم بذلك يرتكبون هفوة لا تغتفر على مستوى تحقيق أمن مستدام للحدود والمنافذ الرئيسية لدولهم واستهداف الجماعات الإرهابية لأراضيهم بين خيار أن ينتظروا المزيد من تلك الهجمات أو قطع وسائل الإمداد المادي والمعنوي لها، وأن كان ما يدور في بعض دول المنطقة يُصنف بحروب المستنقعات الفيتنامية للبطء في اتخاذ القرار والانتظار الطويل لوقف النزيف، وهو في المهد، حتى وصلت الأمور في بعض المواقف لنقطة تكاد تكون نقطة اللاعودة، حيث المزيد من الفوضى لسوء التنسيق المشترك للنهاية المتوقعة التي تليها المفاوضات السياسية وحملات الإغاثة الإنسانية، بينما في أرض الحدث تجد الفصائل المختلفة تتناحر من دون هوادة. ومن يعاني هو الشعب ويأتي مبعوث ويرحل مبعوث ولا أمل يلوح في الأفق، لخيارات تفضي إلى عدم الانفجار مجدداً بمجرد انتهاء صلاحية الخيار للقوى المتصارعة في صفقات غير مكتملة ينقصها صك نهائي، ومن يملك بيده الصك يريد الصفقة أن تبقى مفتوحة.

&