أحمد يوسف أحمد

منذ عصفت بالمنطقة أحداث ما سمي «الربيع العربي» بدأ تحالف واضح يتبلور في مواجهة التهديدات التي طرأت على المنطقة بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي عدا قطر، أساسه المصلحة الإستراتيجية المشتركة ضد محاولات التيار السياسي المتستر بالإسلام للهيمنة على المنطقة وما ارتبط بذلك من تصاعد غير مسبوق للإرهاب الذي طال ما لا يقل عن نصف الدول العربية، ناهيك عن المخططات الدولية المشبوهة الرامية لرسم خريطة جديدة للمنطقة. وبرز في إطار هذا التحالف المثلث المصري السعودي الإماراتي بصفة خاصة. ومع توالي الأحداث تأكدت أهمية تحالف كهذا في مواجهة صعود الحوثيين الموالين لإيران في اليمن وأخيراً عقب الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى. ولأن قوى الإرهاب تعلم جيداً أهمية هذا التحالف كسلاح للقضاء عليها، ولأن أصحاب المخططات الدولية المشبوهة يعلمون كذلك تصديه لمخططاتهم، فإنهم جميعاً لا يكلون من محاولات فصم عرى هذا التحالف أو على الأقل إضعافه، منتهزين أدنى فرصة تلوح وأحياناً مخترعين هذه الفرصة على نحو ما سنرى.

ولعل أهم بداية لهذه المحاولات جاءت عقب تولى الملك سلمان بن عبد العزيز القيادة فى السعودية والتغييرات الداخلية التى أجراها، وسرعان ما بنى أعداء التحالف على هذه التطورات أن ثمة توجهات جديدة في المملكة وأن هذه التوجهات تباعد بينها وبين مصر وتقرب القيادة السعودية الجديدة من «الإخوان المسلمين» وقطر، ومن ثم فالتحالف سوف يتعرض لهزة إن لم يصبه الجمود! ولم ينس أصحاب المحاولة أن يشيروا إلى أن جهوداً سعودية حثيثة تبذل من أجل جذب دول أخرى إلى هذا التوجه الجديد، بحيث تعزل مصر عن أهم حلفائها في الخليج.

وأخيراً وليس آخراً استغلت الزيارة الأخيرة التى قام بها رئيس المكتب السياسى لـ«حماس» إلى السعودية أسوأ استغلال، لمحاولة هز التحالف وإضعافه، عبر الزعم أن السعودية تعيد رسم خطوط تحالفاتها بعد الاتفاق النووي وتمد الجسور مع «حماس» لعزلها عن إيران. ومادام الأمر كذلك، ولأن «حماس» جزء من حركة «الإخوان المسلمين» فسوف يكون لهؤلاء نصيب!

فات الكارهون للتحالف المصري الخليجي، وفي القلب منه المحور المصري السعودي الإماراتي أن العلاقة بين أطراف هذا المثلث قائمة على مصالح استراتيجية حقيقية، لأن خطر التنظيمات المتسترة بالدين والإرهاب المرتبط بها والمخططات الخارجية المشبوهة.. لم يعد مجرد خطر على النظم السياسية القائمة، وإنما بات خطراً وجودياً على الدول ذاتها وأن كل طرف من أطراف هذا التحالف له دوره الذي لا يمكن الاستغناء عنه، ومن ثم فإن صمود التحالف وتعزيزه لا يعتمد على تطورات مزاجية هنا أو هناك.

وفاتهم أيضاً أن ما جرى في السعودية من تغييرات داخلية له منطقه الذاتي، ومن المؤكد أنه يمكن أن ينعكس على السياسة الخارجية لكنه لا يمكن أن يمس أسسها، وفاتهم كذلك أنه من حق كل من السعودية و«حماس» أن تجريا اتصالات فيما بينهما على هامش زيارة غير رسمية، وهناك أمور عديدة يمكن الحديث فيها بعيداً عن أي تنسيق يمكن أن تتضرر منه مصر. وبالمناسبة فالحكومة المصرية رغم خلافها مع «حماس»، كانت هى التى استأنفت الحكم القضائي المصري باعتبار «حماس» حركة إرهابية ونجحت في إلغائه.

ولا يمنع ما سبق من وجود اختلافات وليس خلافات بين أطراف التحالف بخصوص رؤى الحل بالنسبة لقضايا الصراع الشائكة في المنطقة، وهي اختلافات طبيعية وغير مقلقة طالما أن للتحالف أساسه الإستراتيجي، وانطلاقاً من هذا الأساس يسهل التقريب بين الرؤى وتوحيدها أو على الأقل التنسيق فيما بينها. وأظن أن الجولة الأخيرة لوزير الخارجية المصري وتصريحات وزراء الخارجية فى كل من السعودية والإمارات والكويت في سياق هذه الجولة، قد تكفلت بإخماد المحاولات المستميتة للنيل من تحالف قوي له أساسه الإستراتيجي الراسخ.