سمير السعداوي

من البوادر الإيجابية في هذا «الزمن الرديء» ان يتمكن الأميركيون من ملاحظة فارق بين «داعش» و «حزب العمال الكردستاني»، على رغم سعي الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى وضع الاثنين في سلة واحدة وفتح حرب معهما على جبهتين، طمعاً في مكاسب سياسية داخلية.

وتبعاً لتصريحات أطلقها الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أليستر باسكي وبريت ماكغيرك نائب وزير الخارجية الاميركي لشؤون العراق وايران، فان التمايز بين «داعش» و «الكردستاني» المصنف ايضاً على لائحة الإرهاب الأميركية، ينطلق من إبقاء الباب مفتوحاً ولو مواربة للمقاتلين الأكراد، وذلك بدعوتهم الى ادانة الإرهاب واستئناف المحادثات مع الحكومة التركية، وتمني واشنطن «على الجانبين تفادي العنف والتصعيد».

وليس هذا الموقف منّة من الإدارة الأميركية ولا تجملاً تجاه اكراد تركيا، بل هو تعبير عن براغماتية بعدما أثبت أكراد العراق وسورية انهم الطرف القوي في مواجهة «داعش»، لذا من البديهي ألا يقر الجانب الأميركي ما يُعتبر استغلالاً من جانب أردوغان لفرصة سانحة إقليمياً، من اجل توجيه ضربة لأكراد تركيا على أمل استثمارها في تعزيز نفوذه داخلياً، بعدما بدأوا يشكلون عائقاً أمام تفرد حزبه بالحكم بدخولهم على خط لعبة التوازنات داخل البرلمان التركي.

وفي الوقت ذاته، يحرص الأميركيون على مسايرة أردوغان لإرسال رسالة الى النظام السوري، فحواها أن لا تغيير في الموقف الغربي حياله ولا انخراط معه بعد الاتفاق النووي الإيراني، بل هناك رفع لمستوى التنسيق التركي مع دول التحالف، لصد رهان دمشق على دور لها كشريك في مكافحة الإرهاب.

لذا يشدد المسؤولون الاميركيون على دور تركيا «في جهد أوسع وأكثر فاعلية لضرب ملاذات داعش في شمال سورية والعراق»، مع إشارة واشنطن الى انها تتعامل مع «شركاء عديدين على الأرض في تلك المناطق»، ولعل أبرز رهاناتها هي «العلاقة الجيدة» مع السلطات الكردية في شمال العراق.

ويبدو أن أردوغان يتخوف من ضغوط أميركية لتهدئة «الجبهة» الكردية – التركية، وصولاً الى رفع «حزب العمال الكردستاني» عن اللائحة الاميركية للارهاب، ما ينزع من أنقرة المشروعية في التحرك ضده، ويعيد الى الواجهة قضية زعيمه المسجون عبدالله أوجلان والدور الذي يمكن ان يؤديه في ممارسة نفوذه لتحقيق الاستقرار في جنوب شرقي تركيا.

والفارق في تصنيف «الارهاب» من وجهة نظر الاميركيين هو أن أوجلان مدعو الى ادانته والانخراط في محادثات سلام مع أنقرة، وهو موقف يحظى بتأييد الشركاء الأوروبيين، في حين تظل قضية مكافحة «داعش» موضع اجماع بين الأضداد. وليس لأبي بكر البغدادي ان يطمح يوماً ولا حتى الى وضع مشابه لزعيم «طالبان» الملا محمد عمر الذي يكتسب «مشروعية دولية ما»، بمجرد دعوته من جانب الحكومة الافغانية والمجتمع الدولي، الى الانخراط في محادثات سلام، فالزعيم الافغاني الذي اتى «العالم كله» لمحاربته في عقر داره غداة 11 سبتمبر، عرف كيف يدير خيوط اللعبة مستنداً الى حيثيته القبلية الافغانية، وامتدادات تلك الحيثية الى الدول المجاورة.

بالتالي، اذا كانت «طالبان» التي دخلت في يوم من الأيام في تحالف مع تنظيم «القاعدة»، بات لها اليوم مكان على طاولة التفاهمات والتسويات، فالأحرى ان يكون المكان أكثر رحابة لـ «زعيم تاريخي» بالنسبة الى انصاره مثل أوجلان، شاءت أنقرة ذلك ام أبت.