محمد خروب

وكأن لبنان في حاجة الى «فضيحة» جديدة لتضاف إلى سجل الفضائح والأزمات التي تعصف به, بعد أن وصلت الأمور فيه إلى طريق الانسداد على أكثر من صعيد ,سواء في الفراغ الدستوري الذي تكاد حلقاته أن تغلق بعد مرور (431) يوماً على شغور المنصب الرئاسي وتعطّل جلسات مجلس النواب بسبب غياب النصاب القانوني وفي ظل تلويح تمام سلام، رئيس الحكومة بالاستقالة في ضوء التجاذبات السياسية بين افرقائه والتراشق الإعلامي بينهم ناهيك عن التمترس الطائفي والمذهبي الذي وصل ذروته نتيجة للتناقضات الحادة بين أبرز مكوناته وبخاصة بين تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري وحزب الله، كذلك بين فريقي8 و14 آذار في اكثر من ملف وفي مقدمتها التعيينات في قيادة الجيش والاسلاك الامنية الاخرى, وهي تناقضات متفاقمة جراء الأوضاع الإقليمية المتفجرة وخيارات الطرفين المتباعدة في شأن كيفية «حماية» لبنان و»شعوبه» من تداعياتها وانعكاساتها على الأوضاع الأمنية وخصوصاً الاقتصادية والاجتماعية الهشة في ذلك البلد الذي لا يكاد يخرج من أزمة – وإن بحلول غير جذرية بل تجميلية وفي افضل الظروف ترحيلها إلى وقت آخر أو حكومة أخرى – حتى يقع في أزمة أعمق تحمل في طياتها فضائح من وزن ثقيل يكشف (ضمن أمور أخرى) حجم الفساد وتناقض المصالح بين نخبه السياسية والحزبية المستندة، على الدوام، إلى بُعد طائفي ومذهبي بغيض، ناهيك عن «تسييس» كل ملف واحالته إلى أصوله المناطقية والجهوية وتلك الخاضعة لنفوذ هذا الزعيم الاقطاعي أو ذلك الاقتصادي أو ولاءاتها الطائفية والمذهبية على نحو بدت فيه أزمة «جبال الزبالة» التي استقرت في شوارع بيروت وضاحيتها الجنوبية وكأنها غير قابلة للحل , بعد أن طغت حسابات المحاصصة ومصالح الزعامات السياسية والعائلية التقليدية على حساب المصالح الوطنية العليا، لأن كل «زعيم» أغلق منطقته أمام أطنان القمامة التي ألقاها البيروتيون في الشوارع وقام آخرون باشعال النار فيها، تحوّلت فيه أحياء المدينة الأشهر في المنطقة، إلى جحيم من الدخان الأسود والروائح الكريهة والمخاطر الصحية العديدة.

ما علينا..

عشرة أيام ونفايات بيروت، لا تجد من يأخذها إلى «المطامر» بعد أن أُغلقت البلديات الشوارع أمام «أساطيل» الشركة الأخطبوطية وصاحبة الامتياز الذي يكاد أن يكون احتكارياً بفضل دعم سياسي تلقاه من زعماء أحزاب واقطاب سياسيين وكارتلات فساد في فريق 14 اذار, هذه الشركة التي تحمل اسم «سوكلين» والتي تتقاضى مبلغ (150) دولاراً لقاء كل «طن» نفايات تقوم بجمعه وطمره ,فيما الكلفة في مدينة مثل نيويورك لا تتعدى «70» دولاراً للطن الواحد.

هي إذاً أزمة سياسية في أبعادها الحقيقية وإن كانت تبدو وكأنها مجرد أطنان مهولة من النفايات لا تجد لها مكاناً تُطمر فيه، ما راكم من الأزمات المتفاقمة في ذلك البلد «المعتّر»، الأمر الذي دفع بكثير من سياسيين وحزبيين إلى استثمار هذه «الفضيحة» لتحقيق مكاسب سياسية والظهور بمظهر المدافع عن مصالح الشعب وكان في مقدمة هؤلاء سمير جعجع، الذي فتح النار على الحكومة الحالية (رغم أنها مدعومة من قبل حليفه سعد الحريري) عبر القول بأن أزمة النفايات «تثبت صحة وجهة نظرنا بأن حكومة جمع السلبيات، لا يمكن أن تبني وطناً أو تأخذ قراراً».

اللافت في فضيحة الزبالة التي تعصف بلبنان، بل من الطريف في كل ذلك, هو قيام محطات التلفزة اللبنانية «كافة»، بقطع برامجها لنقل «البيان رقم 1» عن اجتماع خلية الأزمة الوزارية، ألقاه وزير البيئة الذي قال فيه كل شيء ولم يقدم أي حلّ عملي لحل أزمة النفايات سوى تقديم الوعد بـ»توزيع متوازن لنفايات بيروت وجبل لبنان».. الحكومات تعد بتوزيع متوازن لمشروعات التنمية وعوائدها بينما في لبنان، فإن الوعود تُبذل لتوزيع متوازن وعادل للنفايات.. طرفة أخرى لافتة انطوى عليها تصريح للسفير البريطاني في لبنان «....لو أن أزمة النفايات هذه، حدثت في بريطانيا لكانت كفيلة باسقاط الحكومة»..

مَنْ يُسقط مَن يا سعادة السفير؟ ما دامت حكوماتنا العربية لا تخدم إلاّ مصالح الفئات والشرائح التي تدعمها ولا تقيم وزناً لصناديق الاقتراع أو ما يُسمى بالرأي العام المحليّ؟.