محمد خلفان الصوافي

إلى الآن تبدو إيران هي الفائز الأكبر من التحولات السياسية الحاصلة في المنطقة، وآخرها الاتفاق النووي مع الغرب. حيث يعد الإفراج عن 150 مليار دولار إنجازاً كبيراً أهدي لها، الأمر الذي سيمكنها من تمويل مشاريعها السياسية، على اعتبار أنها في ظل العجز المالي كانت تنفق على وكلائها مثل «حزب الله»، فكيف وقد صار عندها هذا الرقم؟ ومن صور فوزها أيضاً الهرولة الغربية، وليس الأميركية فقط، بل هناك توجس من أن المستفيد الأكبر سيكون الدول الأوروبية خاصة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا.

وفي ظل هذه الصورة، ينبغي للدول الخليجية، باعتبارها من قد يقع عليه الضرر، عدم وضع نفسها في قالب الحسرة على ما تم بين إيران والغرب والندم على نحو يغلق عليها الباب تجاه أي خيارات ومحاولات إيجابية للاستفادة من هذه التحولات التي بدأت تتفاعل في محيطها، بل عليها أن تعيد النظر في أساليب العمل السياسي غير النمطي التي يوجزها المراقب الغربي في أنها سياسة رد الفعل أو التحفظ على ما تم وكأنه يريد أن يقول: إن الخبث السياسي أصبح فرض عين، بل هو دليل وعي بما يدور في السياسة الدولية.

النقطة المهمة، أنه ينبغي علينا أن ندرس كيف تنازلت إيران عن كرامتها السياسية التي أزعجت بها الجميع طوال سنوات، إلا في خانة أنه مهارة مفاوض في الحصول على أكبر قدر من النقاط الاستراتيجية لبلاده. نحن اليوم أمام مرحلة استراتيجية جديدة فإما أن ننخرط مع العالم ونشاركه فيما يكتبه، أو أن تتم كتابة المرحلة في غيابنا وعلى حساب مصالحنا.

البعض كتب معلقاً أن الاتفاق فاجأ الخليجيين وأن أقصى ما قاموا به هو محاولة الضغط على الديموقراطيين من خلال مد الجسور مع الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونجرس، وكأننا لا ندرك أن السياسة الأميركية قائمة على «المصلحة» وإن اختلفت الإدارات. والبعض الآخر، اعتقد أن التحولات الجيوسياسية في المنطقة سدت الطرق أمام دول الخليج بعدما كانت هي التي تمثل ميزان القوة العربي، وأصبحت هي الطرف الخاسر، وكأنه لا توجد في المنطقة دول لها ثقلها وتأثيرها السياسي في صناعة القرار السياسي العالمي.

صحيح أن دول الخليج قلقة مما حدث، وهذا أمر طبيعي خاصة من ناحية الغموض السياسي الإيراني، بل إن الغرب نفسه لا يثق في «المكر» الإيراني. لكن ليطمئن المراقبون جميعاً؛ فهذه الدول لديها تأثيرها في العديد من الملفات في المنطقة، مثل محاربة الإرهاب وعلى رأسه «داعش»، وهي حاضرة في ملفات عالمية كثيرة مثل الاستثمارات الغربية والمصداقية الدولية، لكن ما ينبغي أن تهتم به دول الخليج هو عدم الارتكان إلى ما سيحدث بعد تصويت الكونجرس على الاتفاق، لأن كل شيء وارد. والنقطة المهمة هي أنه لن تكون هناك عودة إلى ما قبل الاتفاق حتى إذا رفض الكونجرس الاتفاقية.

نحن لا زلنا في المرحلة الضبابية للاتفاق النووي، وبالتالي هناك فرص لبداية معركة دبلوماسية حقيقية، ليس للانتقام من إيران كما يشير البعض، ولكن لرسم الاستراتيجيات كي لا نخرج من هذا الاتفاق بلا نتائج إيجابية، لأنه لم يعد مجدياً الجلوس والصراخ على ما حدث، أو أن يحتج بعضنا على السياسة الغربية أو حتى المكابرة السياسية تحت بند «الثوابت السياسية»، لأن ما يحدث على الأرض يؤكد أنه لا توجد مبادئ أو أخلاق.

موازين الفهم السياسي تغيرت، لذا فإن فوز إيران حتى هذه اللحظة ينبغي أن لا نرى فيه خسارة كاملة للخليجيين. مثل هذا المفهوم لم يعد موجوداً في الموازين السياسية، بل إن التحديات في كثير من الأوقات هي فرص للبحث عن البدائل العملية والناجحة. وأعتقد أن الخليجيين يمكن أن يكسبوا إذا زادوا من تحالفهم مع أشقائهم العرب أكثر فأكثر، لأنه البديل العملي في هذه اللحظة.

المناقشات حول مستقبل المنطقة لا تتوقف والبحث عن البدائل التي تسهم في ضمان استمرار المصالح الغربية مستمرة مع دول الإقليم. وهذا معناه أن التوقف عند «إعادة العجلة» إلى الوراء أو محاولة «إيقافها» أمر بات مستحيلاً، وبالتالي ينبغي ألا نتفنن في جلد ذاتنا، وإنما علينا البحث عن سيناريوهات تساعدنا في التعامل مع الوضع الجديد.

التنازلات السياسية مؤلمة أحياناً. ولكن في المدى المنظور قد تكون «طوق نجاة».