كمال أوزتورك

بدأ الجيش التركي مؤخراً، عملية عسكرية استهدف من خلالها معاقل منظمة "بي كا كا" وتنظيم "داعش" الإرهابيين، في شمال العراق وسوريا. لقد أثارت هذه العملية موجة من ردود الفعل الدولية، خاصة عقب إعلان رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، أن العملية العسكرية لن تكون موضعية وقصيرة الأجل، بل ستكون طويلة الأجل وواسعة الانتشار.

تعتبر هذه المرة، هي الأولى التي تقوم فيها طائرات حربية تركية، بقصف مواقع لتنظيم داعش، والأولى منذ ثلاث سنوات ضدّ منظمة "بي كا كا". وتعتبر عملية التفجير التي نفذها تنظيم داعش في بلدة "سوروج" التابعة لولاية أورفة جنوبي تركيا، والتي أودت بحياة 23 شخصًا، والعمليات شنتها منظمة "بي كا كا" وأدت إلى مقتل العديد من عناصر الأمن والمدنيين في مناطق مختلفة من البلاد، الدافع الحقيقي وراء بدء العملية العسكرية، لاسيما أن مقتل عناصر من الأمن التركي، إضافة إلى مدنيين خلال العمليات التي وقعت داخل تركيا، خلق ردود فعل غاضبة داخل البلاد.

والواضح، هو أن تركيا ستبدأ بتطبيق جملة من الإجراءات والعمليات الجديدة، لضمان أمنها واستقرارها الداخلي، الأمر الذي سيترك أثره على التوازنات الداخلية التركية والتوازنات الإقليمية.

في الواقع، إن الاتصالات التي أجراها رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، مع مجموعة من الزعماء أبرزهم رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، والتي تمخض عنها دعم تلك الدول للموقف التركي، أظهرت مدى خطورة النقطة التي وصلت إليها تطورات الأحداث في المنطقة، لاسيما أن تركيا باتت تدرس كل الاحتمالات الممكنة، بما في ذلك إنشاء منطقة آمنة، لإجهاض جميع التهديدات القادمة عبر سوريا والعراق.

كما بدأت قوات الأمن التركية، بعمليات لحفظ الأمن الداخلي، فاعتقلت من خلالها أشخاصا على خلفية انتماءاتهم لمنظمة "بي كا كا"، و"داعش"، و"جبهة - حزب التحرر الشعبي الثوري" اليسارية المتطرفة، كما كثفت قوات الأمن التركية من تدابيرها الأمنية داخليًا وخارجيًا.

من الذي انتهك وقف إطلاق النار؟ هل انتهت عملية السلام الداخلي؟

لقد اكتسبت مكافحة تركيا لمنظمة "بي كا كا" في هذه الآونة بعدًا مختلفًا، خاصة أن عملية السلام الداخلي، قد وصلت قبل الانتخابات العامة الأخيرة، على أي حال، إلى طريق مسدود، حيث طلبت الحكومة من المنظمة الإرهابية، إلقاء السلاح وسحب مقاتليها إلى خارج تركيا، إلا أن منظمة "بي كا كا"، لم تفعل ذلك، فيما اتهم الجناح السياسي للمنظمة الإرهابية "حزب الشعوب الديمقراطي" الحكومة التركية بعدم اتخاذ خطوات كافية على صعيد تحقيق عملية السلام الداخلي، متهمًا الحكومة بالسعي لإنهاء وبعثرة عملية السلام.

إلا أن المسؤولين الحكوميين، قاموا بنشر قائمة تضم الخطوات التي اتخذتها الحكومة في سبيل تحقيق وإنجاح عملية السلام الداخلي، كنوع من الرد على تلك المزاعم.

ما الذي فعلته الحكومة التركية لحل المشكلة الكردية؟

إليكم بعض الأمثلة، عن الخطوات التي اتخذتها الحكومة التركية حتى الآن، على صعيد إنهاء المشكلة الكردية:

تم رفع تطبيق قانون الطوارئ.

تمت إلغاء عقوبة الإعدام تمامًا.

تمت إزالة جميع العقبات التي تحول دون إعطاء أسماء كردية لأبناء مواطني الجمهورية التركية.

تم رفع حظر النشر باللغة الكردية.

تم السماح بافتتاح دورات لتعليم اللغة الكردية.

تم السماح بتأسيس محطات تلفزيونية وصحف باللغة الكردية.

بدأت الدولة بافتتاح محطات تلفزيونية وإذاعية ناطقة باللغة الكردية، فيما بدأت وكالة الأنباء الرسمية ببث أخبارها باللغة الكردية.

شهدت الجامعات التركية افتتاح معاهد عليا وأقسام تدرس باللغة الكردية.

تم السماح بإطلاق أسماء كردية على المناطق والبلدات في تركيا.

سمح باستخدام اللغة الكردية واعتمادها في المحاكم.

تم اعتماد قانون خاص في البرلمان لضمان سير عملية السلام الداخلي بشكل سليم.

عقب اتخاذها أكثر من 100 إجراء مماثل، يهدف إلى دفع تحقيق عملية السلام الداخلي، ودفعها قدمًا نحو الأمام، طلبت الحكومة من منظمة "بي كا كا" الإرهابية، إلا أن المنظمة رفضت ذلك، ولم تتخذ أي خطوة في سبيل إنجاح عملية السلام الداخلي، سوى الإعلان عن التزام بوقف إطلاق النار، تم خرقه 154 مرة، بشكل فعلي من قبل المنظمة، وذلك خلال الأشهر الـ7 الماضية، من خلال هجمات استهدفت قوات الأمن والمؤسسات الحكومية.

بعد 4 أيام فقط من انتهاء الانتخابات العامة (11 يوليو 2015)، أعلنت منظمة "بي كا كا" عن إنهائها لاتفاق وقف إطلاق النار، شرق وجنوب شرقي البلاد، معتبرة أن المشاريع التي تقوم بها الحكومة، مثل السدود وإنشاء الطرق والمخافر والمطارات، تشكل تهديدًا لوجودها في المنطقة، ما يعني بالنتيجة، استئنافًا جديدًا للحرب وإجهاضًا لجميع المساعي التي بذلت من أجل إحلال السلام الداخلي.

ثم بدأت المنظمة القيام بعمليات، تسببت بقتل العديد من المدنيين، فكان لابد على الحكومة القيام برد تجاه تلك العمليات الإرهابية.

ماذا سيحدث بعد ذلك؟

ستواصل الحكومة نهجها الصارم والحازم، تجاه جميع المنظمات الإرهابية، وعلى رأس تلك المنظمات، تنظيم "داعش"، و"بي كا كا"، و"جبهة - حزب التحرر الشعبي الثوري" (منظمة يسارية متطرفة)، و"الدولة الموازية"، وستقوم ببذل كل ما ينبغي من أجل مكافحة تلك المنظمات في الداخل والخارج.

وفي مقابل ذلك، ستسعى تلك التنظيمات لتنفيذ أعمال إرهابية في تركيا، لذا يمكننا القول باختصار، إن الأيام المقبلة ستكون مليئة بالمصاعب والتحديات.

إن ما سبق، سيكسب إيقاعات المساعي التي تبذل من أجل تأسيس حكومة ائتلافية، سرعة أكبر، وسيدفعها قدمًا نحو الأمام، خاصة أن إمكانية انخراط كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري في عملية تشكيل حكومة ائتلافية، قد تعزَّزت في الآونة الأخيرة، فيما ضعفت إمكانات التوجه مجددًا نحو صناديق الاقتراع، في إطار انتخابات مبكرة.