غازي العريضي

في متابعة لـ «الثمن السوري» الذي يريده بنيامين نتنياهو فوق الأثمان العسكرية والمادية والضمانات الاستراتيجية المباشرة الدولية لأمن إسرائيل، اتفاق فيينا، نعود إلى الجولان، إلى مواقف وتعهدات سابقة سوف يبني عليها مواقفه ليطلب من الإدارة الأميركية الحالية وغيرها من المؤسسات الأميركية المعنية الموافقة عليها. ففي الحديث عن الإرهاب، قال نتنياهو منذ أشهر وتناولنا ذلك في حينه «إن الخطر في الداخل. وعلى أبوابنا. والمبادرة العربية التي أقرّت عام 2002 في بيروت أعدت لشرق أوسط كان قائماً آنذاك. الشرق الأوسط هذا تغير. لم يعد موجوداً. فلا يحدثني أحد عن الجولان. انسوا الجولان. لن يعود إلى سوريا»! الذريعة بطبيعة الحال أن النظام السوري انتهى، حالة الفوضى ستكون طويلة، «الإرهاب» في كل مكان وعلى حدود إسرائيل، وبالتحديد في المنطقة المحاذية للجولان، وإسرائيل تريد حماية نفسها! إضافة إلى الموقع الاستراتيجي الذي يمثله الجولان. بعد موقفه، أطلق عدد من مسؤولي المخابرات والأمن الحاليين والسابقين تصريحات أشاروا فيها إلى أن «سوريا التي عرفناها ماتت. النظام الحالي انتهى. سوريا ذاهبة إلى التقسيم. قد ينحصر وجود الأسد في المنطقة العلوية. ولا يجوز التخلي عن الجولان أمام هذا الواقع»!

وكان رئيس المخابرات الألمانية قد سبقهم إلى الحديث عن احتمال تقسيم سوريا في ظل ما تشهده من فرز وتقلص لحضور النظام!

وذهب باحثون استراتيجيون إلى التذكير بما أسموه «وديعة فورد»، أي الوعد الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق جيرالد فورد لرئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق رابين عام 75 في سياق تأكيد الضمانات الاستراتيجية المطلوبة لحماية إسرائيل. فقد صدر تعهد رئاسي أميركي مكتوب يتضمن حاجة إسرائيل الاستراتيجية لهضبة الجولان حتى في مرحلة السلم إذا ما تم التوصل إليه! الباحثون المذكورون يطرحون اليوم ضرورة العودة إلى الوديعة، ومطالبة الإدارة الأميركية بها. فالوقت مناسب لإعادة تأكيد هذا الالتزام في ظل سيطرة «داعش» على مناطق واسعة من سوريا، والقلق الدولي من هذا التنظيم و«إرهابه»، وتراجع نفوذ النظام إلى مناطق محددة، بعد أن خسر ما يقارب الـ 70% من الأراضي حسب تقارير المخابرات الدولية المتابعة للوضع في سوريا! ويعتبر هؤلاء أن الفرصة مواتية وبعد توقيع الاتفاق مع إيران للتمسك بهذا المطلب وتأكيده. خصوصاً أن إدارة أوباما انسحبت فعلياً من علمية السلام مع الفلسطينيين، وأن العرب تراجع اهتمامهم بالأمر في ظل خطر التهديدات الإيرانية التي لم يبددها الاتفاق الدولي مع طهران، بل على العكس من ذلك، فهم يعتبرون إيران الخطر الأكبر الذي يواجههم، وبالتالي ينبغي عدم تفويت هذه الفرصة. وأبلغ تعبير عن هذه القناعة جاء على لسان «تسيفي هاوز» سكرتير الحكومة الإسرائيلية بين عامي 2009 - 2013 وعبر صحيفة «هآرتس»، فقد قال: (.... لا يوجد بديل للسيطرة الإسرائيلية على الجولان حتى على المدى البعيد. يجب إجراء عملية "تنسيق توقعات" مع المجتمع الدولي في شأن بدائل السيطرة على المنطقة الواقعة بين القنيطرة وبحيرة طبريا في رؤية شاملة لاستقرار المنطقة. لا بديل عن إسرائيل في الجولان. لا استقرار في المنطقة من خلال «داعش» أو «القاعدة» أو «النصرة»، ولا من خلال إيران و"حزب الله" في هذا المحيط»!

إسرائيل ترفض الاتفاق مع إيران، وتبتز العالم وهي تعرف أن الاتفاق قد تم توقيعه وستكون له مفاعيل. ترفض لتكون الشريك المضارب، ترفض رغم كل التطمينات والضمانات الأميركية والدولية لها، لأنها تريد أن تربح وتقبض الثمن، وتريد أن تربح أقصى ما يمكن أن تربحه، وحتى الآن ربحت الكثير، وتريد أكثر. العرب راهنوا على أميركا. لم يضعوا بديلاً آخر، استكانوا، اطمأنوا. ويقولون اليوم إن أميركا خذلتهم، ويبحثون عن بدائل لا للربح بل لتحديد المخاطر والخسائر، هذا إذا عرفوا كيف أو نجحوا. أبرز سبب للتفوق الإسرائيلي والتمدّد أو الربح الإيراني، تفكك العرب في مرحلة، ورهاناتهم الخاطئة، وغيابهم اليوم!