محمد خروب

عبر البريد الالكتروني, وصلني بيان المجلس المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني (بزعامة جلال طالباني), بعد أن عقد جلسته رقم 68 يوم الخميس الماضي 30/7 في مبنى المكتب السياسي بمحافظة السليمانية.. لم يكن البيان ليثير اهتمامي كثيراً, وذلك لأني اطّلع على بياناته في شكل دوري وهي كعادة بيانات الاحزاب في المنطقة العربية, بصرف النظر عن ايديولولجيتها ومرجعياتها وخصوصاً قوميتها, تفتقر الى الحس النقدي والمراجعة الدائمة والشجاعة للمواقف والتجديد في بناها التنظيمية والفكرية وآليات عملها, ما اوقعها في الرتابة والعادية وعزوف الجمهور عنها والتقلّص المستمر في عضويتها.

هذا لا يعني انني اصب جام انتقادي على الاتحاد الوطني, بقدر ما رغبت في ان اقول أن بيان مجلسه المركزي بما احتواه من معلومات وما انطوى عليه من اشارات, وخصوصاً المسكوت عنها وما بين السطور, قد لفتني الى ان اموراً غير عادية تحدث في اقليم كردستان, يمكن اذا لم يتم استدراكها، أن تأخذ الاقليم الى مسارات اكثر خطورة مما هي عليه الان, سواء في السجالات المحتدمة الان بين مختلف قواه السياسية والحزبية الرئيسية وهي «خمس» في كل حال, بما هي المُمثلة في مجلس نواب الاقليم ام في السناريوهات المرسومة للمسألة الكردية, بعد الفوضى الاقليمية العارمة التي سببها الارهاب التكفيري وخصوصاً نزعات الهيمنة والاستعلاء التي أحياها بطريقة فظة, العثماني الجديد السلطان رجب طيب اردوغان ورغبته الجامحة في تنصيب نفسه شرطياً للمنطقة, بالضد من حقائق الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ...قريبه والبعيد.

ما علينا..

الى ان تظهر استحقاقات تأييد رئيس الاقليم مسعود برزاني الموشكة ولايته على الانتهاء, لضربات وسياسات اردوغان في تحالفه الجديد مع ادارة اوباما, بذريعة الحرب على الارهاب وتركيز الجيش التركي غاراته على قواعد حزب العمال الكردستاني التركي PKK في جبال قنديل الواقعة ضمن اقليم كردستان العراق, فإن الخلافات الآخذة في التعمق افقياً وعامودياً بين الحزبين الكبيرين في الاقليم وهما الديمقراطي الكردستاني بزعامة برزاني والاتحاد الوطني بزعامة طالباني، يمكن ان تُعرض لخطرالتداعي بُنيان الاقليم ذاته، الذي لم يبرأ بعد من الحرب الاهلية (او الداخلية) بين الحزبين والتي استمرت اربع سنوات (1994-1998) دفع فيه كرد الاقليم كلفتها، فيما جنى الحزبان الفوائد وخصوصا عندما اتفقا على اقتسام السلطة وثروة الاقليم واحتفظ كل منهما بمواقع نفوذه فكانت السليمانية لطالباني وانصاره (وقواته ايضا) فيما هيّمن برزاني على معقليه في اربيل ودهوك واستمرت القسمة هذه قائمة على مستويات عديدة ليس اقلها ان دمجا بين ميليشياتهما لم تتم حتى الان، واستمرّا...لكل منهما جيشه وقوات امنه واجهزته، وإن كانا يتحالفان في الانتخابات ويتبادلان رئاسة البرلمان او بعض لجانه الرئيسية.

قواعد اللعبة اختلفت الان وهي توشك ان تسقط, بعد ان ضعُف الاتحاد الوطني نظرا لمرض رئيسه (طالباني) وخصوصا الانشقاق الذي حصل في صفوفه، بزعامة نيشروان مصطفى الذي اسّس حركة التغيير (كوران) ونافس الاتحاد الوطني في معقله «السليمانية» وسحب من رصيده الشعبي والسياسي, وايضا بعد ان اختلفت سياسات الحزبين الكبيرين إثر انحياز برزاني لانقرة وبالضد من عبدالله أوجلان وكرد سوريا، فيما حافظ حزب طالباني على صداقته مع طهران منتقدا الدور التركي.

ليس هذا كل ما في المشهد بل إن طموح برزاني بالاستمرار في رئاسة الاقليم تمديدا او تجديدا، ورغبته في تغيير الدستور كي يصبح نظام الاقليم رئاسيا وليس برلمانيا (هل تذكرون طموح حليفه اردوغان؟) فضلا عن رفضه الذهاب الى بيته وفق الدستور بعد ان انهى دورتين، دفع بالاحزاب الاربعة الاخرى:الاتحاد الوطني، التغيير، الجماعة الاسلامية الكردستانية وحزب الاتحاد الاسلامي الكردستاني, الى رفض توجهات برزاني والتحذير من مخاطرها واكلافها؟

ما هي هذه الاخطار والاكلاف؟

ليس اقلها انشطار الاقليم الى قسمين او اقليمين, اقليم السليمانية من جهة، واقليم اربيل ودهوك من جهة اخرى,ما يعني تبدّد احلام(إقرأ اوهام) برزاني في اعلان دولة كردية مستقلة في القريب المنظور كما قال في واشنطن وبرلين, فضلا عن احتمال اندلاع مواجهات مسلّحة بين «الطرفين» تنتهي بتدخلات اقليمية واختلالات في موازين القوى، قد يخسر منها كرد الاقليم، كل ما ظنوا انهم حققوها من مكاسب طوال عقدين ونيف.