أيمن الحماد

بلغ التسييس في لبنان مبلغه حتى غدت نفايات هذا البلد محل مساومات، وتوظيف سياسي، موغل في الأنانية والاستئثار وحب الانتقام والتنازع على السلطة وإفشال هذا الفريق وإنجاح آخر، دون الالتفات لمواطن سأم تكاليف السياسة، التي جثمت على صدره.

في يوم ما كان لبنان وجهة لطالبي الجمال ومصطافي العرب ووجهة النخبة ومركزاً للأعمال والإعلام، واليوم هو أبعد ما يكون من هذا كله، وأقرب إلى أن ينزلق في أتون فوضى تطال الأخضر واليابس، وتخرج الجميع خاسراً كما كانت صراعات اللبنانيين دائماً.

هل ينتظر اللبنانيون وساطة خارجية من أجل لملمة وحلحلة هذا الملف؟ بالفعل فقد اتصل بعض وزراء الحكومة بسفراء بعض الدول كألمانيا والسويد من أجل التخاطب مع الشركات البيئية المهتمة بتدوير النفايات من أجل تصديرها للخارج، كما أن الرئيس الفرنسي اتصل برئيس الوزراء متمنياً عليه ألا يستقيل، وسفراء آخرون التقوا بالفرقاء... لقد بلغ لبنان حالاً صعبة توحي بأن البلد يغرق، فهو عاجز عن إيجاد حلٍ لأبسط مشاكله، إذن فما بال الأمور الأخرى الأكثر أهمية وأكثر تعقيداً.

يخبرنا من عاشوا أيام الحرب الأهلية اللبنانية أنه وفي خضم الحرب، لم تكن النفايات تبلغ هذا الحد، لكن لبنان اليوم ضائع، هيكل هشٌ، استنفد وأفرغ من الداخل، واستغل مِن مَن يفترض بهم حمايته، لكنهم في واقع الأمر وضعوه ورقة في يد الخارج، وعطلوه ليس من أجل مصلحتهم أو مصلحة أنصارهم بل لتنفيذ أجندة خارجية وجعلوه في مهب التحولات التي تضرب المنطقة.

كل شيء يحدث في لبنان لا يطمئن، بلد بلا رئيس لأكثر من عام، وحالة من التبلد والفوضى تمخر عباب شوارع بيروت التي صعق أهلها بمقتل أحد قائدي المركبات على يد آخر؛ أجهز عليه بدم بارد أمام حشد متفرج في وضح النهار، لا يحدث ذلك في إحدى جمهوريات الموز بل في دولة عربية هي الثانية التي نالت استقلالها، وكانت يوماً أيقونة المشرق، ومنارة الثقافة العربية.

نفايات لبنان ليست حدثاً بيئياً أو إشكالاً إجرائياً بقدر ماهي مؤشر على حال التردي الذي وصل إليه هذا البلد، وورطته بنفسه، وعجزه عن تدبير أحواله، وتسيير أموره، وانفلاته في كل اتجاه، كل اللبنانيين اليوم متضايقون من حالة عدم احترامهم واستغلالهم من قبل ساساتهم، مجمعين على أن لا أحد خاسر في الوضع الحالي إلا المواطن اللبناني.