الرباط - فاطمة عاشور: في الوقت الذي كشفت فيه دراسة أمنية صدرت حديثاً في هولندا بعنوان «المشاكل السلوكية والإضرابات بين عناصر الشرطة» وأشرف عليها الباحث أنتون وينكي أن 56 في المئة من المقاتلين الهولنديين في صفوف تنظيم «داعش»، والبالغ عددهم 180 مقاتلاً هم من أصول مغربية، سجل تراجع كبير في عدد الملتحقين المغاربة بجبهات القتال في سورية والعراق، خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2015 الحالي، بحسب تقرير صادر عن مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أكد في مقابل ذلك استمرار هيمنة فئة الشباب على الأهداف التي يتم استقطابها من جانب تنظيم «داعش».

ويرى المرصد في تقريره الأخير حول «هجرة المقاتلين المغاربة إلى سورية والعراق» الخاص بالفترة الممتدة من كانون الثاني (يناير) 2015 إلى نهاية حزيران (يونيو) المنصرم، أن المخاطر التي أصبحت تحيط بالمغرب لا تتمثل في الخلايا الإرهابية فقط، «والتي يشهد المجتمع الدولي للمغرب بنجاعته إلى حد الآن في رصدها وتفكيكها»، بل في ما يسمى بـ «الذئاب المنفردة». وأشار التقرير إلى أن الضربات الإرهابية التي تعرضت لها كل من تونس والكويت وفرنسا أخيراً أكدت ذلك.

ويضيف المرصد ذاته أن أبرز العوامل التي تستمر في دفع مغاربة من طبقات اجتماعية متدنية لترك البلاد والتوجه إلى العراق وسورية، مرتبطة بما هو دنيوي أو روحي. فمن جهة هناك تحقيق الذات، وإغراءات مادية، وبحث عن الرفاهية والسلطة رداً على البطالة والوظائف الهامشية والسكن في أحياء شعبية، بالإضافة إلى خطاب ديني مشحون بالعاطفة وتبني مفهوم الجهاد وسحر الخلافة وتقمص أسطـوري لنماذج وحالات من التاريخ.

أما عدد الملتحقين من منطقة الشمال المغربي بتنظيم «داعش»، خلال الأشهر الستة الماضية، فبلغ 16 فرداً، جلّهم من مدن الشمال مثل تطوان والمضيق والفنيدق ومرتيل، وبمعدل شهري يصل إلى 3 أشخاص، ما رأى فيه المرصد انخفاضاً كبيراً، مقارنة بالمعدل المسجل سابقاً منذ اندلاع الثورة السورية و»إطلاق نداء النفير العام»، اذ تراوح بين 30 و35 شخصاً في الشهر.

ويرجع المرصد ذلك إلى «اقتناع الشباب بأن الجرائم والممارسات التي ترتكبها المنظمات الإرهابية في المنطقة من قتل وذبح، لا تمت بصلة إلى تعاليم الدين الإسلامي»، كما أن المقاربة الأمنية المغربية الاستباقية، القائمة على رصد الخلايا الإرهابية وتفكيكها، أعطت ثمارها. ويضيف التقرير أن «داعش» يركز على توجيه خطاب عاطفي إلى النساء «باعتبارهن عائقاً في هجرة الأزواج والأبناء»، وهو ما يظهر من عدد المغربيات الملتحقات في الفترة الأخيرة من منطقة الشمال، حيث وصل العدد إلى 6 إناث، (38 في المئة) بينهن طفلتان.

في المقابل يسجل التقرير هجرة 37 في المئة من ذوي المستوى الدراسي العالي «3 حاصلون على الماستر في تخصصات تقنية و3 آخرون يتابعون دراستهم في شعب علمية، و25 في المئة تعليم ثانوي والنسبة نفسها تعليم ابتدائي، فيما 13 في المئة هم دون أي مستوى تعليمي».

وتظهر أرقام التقرير المذكور أن 62 في المئة من المقاتلين الملتحقين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة، مقابل 18 في المئة من الأطفال و4 في المئة تفوق أعمارهم 26 سنة ولا تتجاوز 35 سنة، ما رأى فيه معدو الدراسة، مواصلة تنظيم «داعش» استقطاب الشباب. ويورد المصدر نفسه أن 25 في المئة من الملتحقين المغاربة يشتغلون في مهن هامشية، من قبيل «مساعد تاجر، بائع فطائر، جباص...»، أما النساء فهُن ربات بيوت، مقابل 19 في المئة ما زالوا يتابعون دراستهم، وهي النسبة ذاتها مُسجلة لدى من يشتغلون في مؤسسات «كأطر عالية ويتلقون أجوراً مرتفعة، أحدهم في المحكمة الابتدائية والأخر مدير شركة للمعلومات والثالث مستخدم في شركة في المنطقة الصناعية.

القلق من الخطر الذي تشكله عودة المغاربة إلى «داعش»، دفع السلطات الأمنية إلى اعتقال كل العائدين عبر تركيا أو غيرها، علماً إن التهديد لا يقتصر على أولئك العائدين فحسب, بل في مؤشر ثان يتمثل بعدد الخلايا التي تم تفكيكها حتى الآن وبلغ 30 خلية. وبغض النظر عن مستوى الخطورة الذي تمثله أي خلية من تلك، إلا أن المخيف هو البنية التحتية الخصبة للإرهاب وسط الشباب المغربي، فهناك 1500 شاب سافروا إلى سورية عبر تركيا.

ومن بين أسباب التحاق الشباب المغربي بحسب الباحثين، إغراء الدعاية الداعشية لشباب بلا أمل. فـ «داعش» يقترح على الشباب وظيفة «مجاهد»، وراتباً يتراوح بين 400 و1000 دولار، وزوجة أو أكثر، ومنزلاً، وفرصة الظهور على اليوتيوب كفارس يحمل كلاشنيكوف أو «آر بي جي»، أو يقود دبابة أو مركبة عسكرية حتى إن كان ذاهباً إلى حتفه, فتستغل المشاكل الاجتماعية وضعف اندماج الشباب لاستقطابهم إلى محرقة سوداء ينتقمون فيها من مجتمعات لم تنصفهم.