بيروت - الرأي: في وقت لامست فيه الحرارة الاربعين درجة مئوية، يشي المناخ السياسي في بيروت بمزيد من السخونة، عشية جلسة الخيارات الصعبة التي يعقدها مجلس الوزراء غداً، على وقْع ملامح أزمة اجتماعية تطلّ برأسها من جبال النفايات التي تتراكم فوق عجز عن الحلّ، وتقنين غير مسبوق في الكهرباء، والمخاوف من مشكلة رواتب في القطاع العام، نتيجة الشلل المتمادي في عمل المؤسسات الدستورية.

وقبل ساعات من موعد الجلسة الوزارية الحاسمة، بدا أن ما كُتب قد كُتب على صعيد أبرز البنود الإشكالية المتعلّقة بالتمديد للقادة الأمنيّين والعسكريين، إذ إن قرار تأجيل تسريح رئيس الأركان في الجيش اللبناني اللواء الركن وليد سلمان بات جاهزاً في جيْب وزير الدفاع سمير مقبل، الذي سيعمد الى طرح عدد من الأسماء على مجلس الوزراء لاختيار أحدها لتولي هذا المنصب، إلا أن أياً منها لن ينال التوافق المطلوب، ما يجعل مقبل يسير بالتمديد لسلمان الخميس، اي عشية انتهاء خدمته 7 الجاري.

وبهذا السيناريو شبه المحسوم، يكون زعيم «التيار الوطني الحر» النائب ميشال عون تلقّى ضربة جديدة لمساره الاعتراضي على التمديد لسلمان كخط دفاع - هجومي، للدفْع نحو منْع تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي في سبتمبر المقبل، وذلك في إطار المعركة التي يخوضها لايصال صهره العميد شامل روكز الى رأس المؤسسة العسكرية.

ورغم ان جلسة الأربعاء مخصصة لاستكمال بحث مقاربة عمل الحكومة على ان تتخلّلها مناقشة لملف النفايات وسْط بدْء صدور تحذيرات من «فائض» النفايات التي تملأ الشوارع في جبل لبنان والتي تنذر بالعودة الى شوارع بيروت في ظلّ الكلام عن أن خيار تصديرها الى الخارج يحتاج - اذا بُت - الى وقت للسير به، فإن ملف التمديد لرئيس أركان الجيش سيشكّل الاختبار الفعلي للعديد من الأطراف وسيظهّر ما ستكون عليه المرحلة المقبلة في لبنان.

ذلك أن عون الذي يصرّ على اعتماد التوافق الاجماعي في اتخاذ القرارات داخل الحكومة (وعلى مشاركة رئيس الحكومة في وضع جدول اعمال الجلسات)، سيجد ان سيناريو مرور التمديد لسلمان بعد عدم حصول توافق على اسم جديد سيتكرر حكماً عند حلول استحقاق موعد انتهاء خدمة العماد قهوجي في سبتمر، رغم بعض التقارير التي لم تستبعد ان يصدر قرار متزامن بتأجيل تسريح سلمان وقهوجي معاً، على ان يبدأ سريان التمديد للأخير في 24 سبتمبر المقبل.

وتتجه الانظار في هذا السياق الى ردّ الفعل الذي سيقوم به عون على هذا المسار، وسْط تأكيد اوساط «التيار الحر» لـ «الراي» ان «التمديد لسلمان سيؤدي الى تحرك اعتراضي موجِع، في اشارة الى ان الشارع ما زال على جهوزيته لتلبية نداء عون الى النزول للشارع، تصدياً لما يعتبره سطواً على حقوق المسيحيين وتجاوزاً للميثاقية وخرْقاً للدستور والقوانين».

غير ان أوساطاً سياسية ترى أن «أي حركة رفْضية من عون باتت محكومة بأفق مسدود لأنها محاصَرة بمجموعة خطوط حمر ،رسمها حلفاؤه قبل خصومه. فـ (حزب الله) يجاريه في مطالبه، ولكنه ملتزم بعد السماح بإسقاط الحكومة في لحظة اقليمية بالغة الحساسية. اما (حليف الحليف) اي رئيس البرلمان نبيه بري فعاد ليرفع الصوت والسقف بوجه عون موحياً بانكسار الجرّة بالكامل معه»، وهو ما عبّر عنه في موقف لافت بلغ حدّ إعلان رفضه التصويت لمصلحة زعيم (التيار الحر) لرئاسة الجمهورية اذ اكد «أنني ورئيس الحكومة تمام سلام واحد، وبالتالي فإن خيار استقالته مرفوض، ومن يدفع في هذا الاتجاه إنما يدفع نحو الخراب»، مستغرباً «كيف أن عون لا يزال يصرّ على اعتبار مجلس النواب الحالي غير شرعي، بسبب التمديد، وفي الوقت ذاته لا يجد حرجاً في ان يطلب من هذا المجلس انتخابه رئيساً للجمهورية»، مضيفاً: «أنا شخصياً لا أقبل هذا المنطق، وأرفض التصويت لمن يقول عني إنني غير شرعي، وإذا كان الجنرال يريد أن يتمسّك بهذا الطرح، فأنا من جهتي أتمسّك باحترام كرامتي وكرامة المجلس»، وداعياً سلام الى تطبيق الدستور «لا سيّما أنّ نحو 18 وزيراً يؤيدونه في ذلك، ولتُطرح القضايا التي تحتاج إلى نصاب النصف زائد واحد على التصويت (ووزرائي معك) وسيكونون أوّل المصوّتين».

واعتُبر كلام بري بمثابة اشارة الى انه لن يتم تعليق جلسات الحكومة حتى سبتمبر المقبل، كما أوحت بعض التقارير، باعتبار ان مثل هذا الأمر سبق ان عبّرت عواصم غربية وعربية عن عدم تحبيذه لانه يعني اعلان فشل آخر المؤسسات العاملة في لبنان، مع ما يعنيه ذلك من تعريض الاستقرار اللبناني للخطر في غمرة التطورات المفصلية في المنطقة. عدا عن ان طبيعة الملفات التي دهمت لبنان لا سيما النفايات ،وأزمة الرواتب المحتملة التي حذر منها وزير المال علي حسن خليل (من فريق بري) ، تستوجب متابعة حثيثة من الحكومة في محاولة لتفادي «كارثة صحية» ،حذّر منها وزير الصحة وائل ابو فاعور في حال استمرّ العجز عن التصدي لمشكلة النفايات ،التي اعلن انها بلغت «الخط الأحمر»، ومشكلات اجتماعية ستبرز اذا بلغت الأمور حدّ القصور عن دفْع الرواتب في القطاع العام بدءاً من نهاية سبتمبر المقبل.

والمفارقة في جلسة الأربعاء انها تنعقد قبل ساعات من موعد الجولة 16 من الحوار بين تيّار «المستقبل» و«حزب الله» الذي يستضيفه بري في مقره (عين التينة)، والتي من شأنها ان تحتوي مفاعيل أي مناخ ساخن قد يكون هبّ من مجلس الوزراء وفي الشارع.