أحمد يوسف أحمد
&
فجر اليوم الأخير من الشهر المنصرم تسللت مجموعة من مجرمي الاستيطان الإسرائيلي إلى قرية دوما الوادعة قرب نابلس وأضرموا النار في أول منزلين صادفوهما كان أولهما خالياً بينما كانت أسرة الرضيع علي دوابشة تنام في سلام فاستشهد علي وأصيب أبواه وشقيقه البالغ من العمر أربع سنوات بحروق خطيرة. كتب المجرمون على جدران المنزل المحترق عبارات الانتقام ورسموا نجمة داوود واتضح أنهم ينتمون لجماعة «تدفيع الثمن» المتطرفة التي تهدد بالانتقام لأي قيود تفرضها الحكومة الإسرائيلية على التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، ولا يدري المرء عن أي قيود يتحدثون، ولماذا يدفع الفلسطينيون ثمن سلب أراضيهم وطردهم منها؟ ليس قتل الإسرائيليين أطفال فلسطين بالأمر الجديد، فهو جريمة مستمرة منذ بدأ تجسيد المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية، ولعلنا لم ننس بعد الطفل الشهيد محمد الدرة، ولا أطفال غزة الذين قتلتهم يد الوحشية الإسرائيلية في هجماتها المتكررة في السنوات الأخيرة.. فلماذا يا ترى أصيب نتنياهو هذه المرة بالصدمة ووصف جريمة المستوطنين بالإرهاب وهو سلوك غير مسبوق لصهيوني متطرف ولماذا أكد أن إسرائيل تتصرف بحزم مع الإرهاب بغض النظر عن مرتكبيه وأنه سيسلك كل السبل حتى يمثل المهاجمون أمام العدالة ولماذا زار أسرة علي في المستشفى الإسرائيلي الذي نقلت إليه بطائرة هليوكوبتر؟ ولماذا تعهد وزير دفاعه بإلقاء القبض على المهاجمين وبأنه لن يسمح للإرهابيين بالتعرض لحياة فلسطينيين رغم أن قواته تقتلهم لأوهى الأسباب؟ ولماذا يصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الجريمة بأنها عمل إرهابي وحشي مع أن هذا الجيش هو الراعي الرسمي لقتل الفلسطينيين؟
&
الواقع أن جريمة حرق علي دوابشة ليست كأي جريمة، ففي كل جرائم قتل الأطفال والكبار السابقة كان بمقدور الإسرائيليين أن يجدوا لأنفسهم ذريعة بغض النظر عن تهافتها، فقد أطلق فلسطينيون صواريخ عليهم أو طعنوهم بسلاح أبيض أو دهسوهم أو حتى ألقوا حجارة عليهم، لكن هذه الجريمة تترك إسرائيل وسياساتها الاستيطانية عارية تماماً، فهل هناك أكثر سلمية من أن يكون الضحايا نائمين على أسرّتهم مغلقين عليهم باب منزلهم الأمر الذي يفضح تماماً الطبيعة العدوانية الإجرامية للاستيطان.
&
&
والمشكلة أن هذه الجريمة تأتي في وقت تتزايد فيه العزلة الدولية ولو نسبياً لإسرائيل، ولذلك فإن جريمة كهذه هي آخر ما تحتاجه الآن، ولم يكن التنديد الأميركي بالجريمة بأشد العبارات ينقصها، وسوف تتصاعد ردود الأفعال الدولية المستنكرة للجريمة على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي بالتأكيد، ومن ناحية أخرى سارعت الجامعة العربية إلى إدانة الجريمة التي وصفتها بالوحشية والبشاعة، وأكدت على أنها استمرار للممارسات الإسرائيلية الإجرامية والقمعية بحق الشعب الفلسطيني، وأنها جريمة حرب تمت وسط عجز المجتمع الدولي وصمته مع أننا عاجزون مثلهم، وإذا كنا أدنا بشدة فقد أدانوا مثلنا، وطالبت الجامعة مجلس الأمن بقرارات تلزم إسرائيل بوقف جرائمها، وقبل كل شيء اعتبر الرئيس الفلسطيني ما وقع جريمة حرب وأعلن أنه ينوي التوجه بخصوصها إلى المحكمة الجنائية الدولية، ودعت الفصائل الفلسطينية إلى الرد بقوة وبكافة أشكال المقاومة، ولقرارات دولية رادعة، ولم تقصر هذه الفصائل في الإدانة والتهديد.
&
لاشك أن كافة ردود الفعل السابقة متوقعة وجيدة، لكن المتوقع أيضاً -وللأسف- أنها ستخبو مع الزمن فلسطينياً وعربياً ودولياً مالم نغير ما بأنفسنا، والواقع أنه إذا كانت إسرائيل هي المسؤول الأول عن هذه الجريمة، فإننا جميعاً مسؤولون ولو بدرجات متفاوتة: الفلسطينيون الضائعون ما بين مفاوضات عقيمة يقترب عمرها من ربع قرن، ومقاومة غامت رؤيتها، وانقسام سياسي سخيف، ورأي عام غير غاضب بما يتناسب مع الخطر الذي يهدد مصير فلسطين، ومبادرات عربية لم تبرح الطاولة منذ فاس 1982 مروراً ببيروت 2002، بل إننا لم نفعل شيئاً للاستفادة من التطورات الدولية المواتية التي حدثت مؤخراً على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي، ناهيك عن أن نكون قادرين على الضغط على القوى الدولية من أجل تبني مواقف تتفهم الحقوق الفلسطينية وتعمل على استعادتها ولو بالحد الأدنى. باختصار فلسطين في خطر جسيم إذا بقي حالنا على ما هو عليه، فماذا نحن فاعلون؟