حلمي شعراوي

يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما تحديات كبيرة في هذه الفترة من رئاسته. فبعد أن تبدت للأميركيين الصعوبات الكبيرة في منطقة مثل الشرق الأوسط على رغم الهدوء الآسيوي عموماً، إلا أن أوباما أراد أن يؤكد أيضاً استقرار أصدقائه في القارة الأفريقية، ليبعث ذلك كرسالة إلى الرأي العام الأميركي المتوتر هناك بشأن الوقائع العنصرية المتكررة.

وقد رُوج كثيراً لزيارته للقارة الأفريقية، من 24 إلى 29 يوليو المنصرم، التي اتجه فيها إلى منطقة ذات مودة خاصة له في شرقي أفريقيا، والقرن الأفريقي (كينيا - إثيوبيا). ومن هناك بعث بأولى رسائله للأفروأميركيين عن أصوله العائلية الأفريقية، وأنه يزور قارة تتقدم اقتصادياً بسرعة مذهلة (من معدل نمو 3% عام 1990 إلى 10% عام 2014!)، ولذلك اصطحب معه عدداً كبيراً من أعضاء الكونجرس ورجال الأعمال ليقدم الساحة الاقتصادية المفتوحة أمامهم للاستثمارات الأميركية. ولم يشأ أوباما أن يصدم الرأي العام الأفريقي بأنهم في الولايات المتحدة شديدو القلق من التغلغل الصيني في القارة، ولا من القفزات المفزعة التي حققتها الصين هناك في سنوات لتصل منذ مطلع القرن فقط لأربعة أضعاف قوتها التجارية مع أفريقيا، بما جعل التبادل مع القارة يزيد عن 200 مليار دولار في عام 2014، بينما ما زالت الولايات المتحدة تزحف نحو 150 ملياراً.. ولم يشأ أوباما أيضاً أن يعبر عن قلقه من ذلك، فتحدث عن أنهم «يقبلون بالصين في القارة» كـ«منافسين لا مصارعين»، ولم ينس أن يقارن بين لطف مساعداته في مجالات الصحة والديمقراطية، بينما تعمل الصين بعمال صينيين في رصف الطرق والكباري! وسخر البعض من إشاراته هذه عن الصين، حيث كانت أهم خطب الزيارة في مقر الاتحاد الأفريقي الذي يعتبر أهم وأكبر المعالم الحديثة في أديس أبابا بل وفي أفريقيا، وقد بنته الصين وقدمته هدية للاتحاد الأفريقي منذ سنوات قريبة.

ويعتبر خطاب أوباما في مقر الاتحاد الأفريقي موجهاً لشعوب القارة عامة على رغم غياب أي من الرؤساء، ولكنه أحاطه بحملة العلاقات العامة المكثفة للزيارة في مجملها.. بما جعله أشبه بنمط وأثر الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة في مطلع ولايته موجهاً للشعوب العربية والإسلامية. وقد تحدث بلغة خطابية بليغة، كانت في القاهرة مملوءة بالوعود التي لم تتحقق حتى الآن، ولكنها في أديس أبابا قدمت إحساساً أكبر بالمشاركة في هموم شعوب القارة من وجهة نظر ليبرالية أو شكلية حول التجارة، وحول تشغيل الشباب، وحول الإرهاب.

ولكن ذلك الخطاب العام لم يستطع إخفاء ما وقع فيه أوباما من تناقضات غير خافية في صلب السياسة الأميركية في أفريقيا خلال زيارته تلك. فهو على رغم تحيته للتقدم الأفريقي، لم يعلن مشروعات أميركية كبيرة تجاه القارة، ولا حتى بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، اللهم إلا ما ذكره عن مشروعه للطاقة الكهربية، ومؤتمر رجال الأعمال في واشنطن قريباً... ومع ذكره لمشروعات الطاقة، لم يشأ أن يشير لأي إطار أفريقي في هذا الصدد، لا بالنسبة لسد إثيوبيا أو مشروعات الأنهار الأخرى.. وذلك بسبب المنافسات الكبرى حولها، بل إنه وهو يخاطب شباب القارة، أوقع نفسه في حديث صعب في أكثر من ملف مثير للجدل على صعيد أفريقي.

وهكذا لم تبدُ رحلة أوباما الأخيرة إلى أفريقيا ذات صدى كبير في مجال الاستراتيجية الأميركية، ولكنه أثبت فقط أن أفريقيا ليست منطقة تحدٍّ ثقيلة، ولا يتفجر فيها إلا بعض تحديات الإرهاب التي لم يتعرض لها بأي خطط أميركية، خاصة تجاه الصومال وكينيا ونيجيريا، وكأنه اعتبر الإرهاب شأناً يخص شمال القارة والشرق الأوسط، وأنه يتعامل فقط مع جنوب الصحراء، ومن ثم فإنه لا يريدنا أن نفهم موضوع الإرهاب في إطار المخططات الدولية، أو أن ما يقع هناك مجرد قلاقل إقليمية.. وأشعر بأن على المنطقة العربية نفسها ضرورة فهم المسألة أحياناً على هذا النحو بدلًا من الفهم الضيق عن الفتن الدينية أو الطائفية.