القدس المحتلة - أمال شحادة: استنكار المسؤولين الاسرائيليين جريمة إحراق الطفل الفلسطيني علي دوابشة وهو حي وإحراق والديه وشقيقه وهم نيام في بيتهم في دوما، يبقى يطرح سؤالاً كبيراً حول مدى جدية التصريحات والنيات التي تقف خلفه وإن كان المسؤولون سيعملون، بالفعل، للتصدي لأوباش اليمين والمستوطنين ووضع حد للإعتداءات العنصرية وضبط التنظيمات العسكرية التي تحولت الى عصابات إرهاب في صفوفهم.

الاستنكار الشديد من الرئيس رؤوفين ريفلين ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزراء والعديد من المسؤولين لهذه الجريمة الارهابية لم يكن مختلفاً كثيراً عن استنكارهم لجريمة مقتل الفتى محمد أبو خضير حرقاً وهو حي من قبل مستوطنين. ففي الحالتين لم يترك مسؤول اسرائيلي منصة إلا واعتبر منها العملية جريمة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام وهدد باجتثاث هذه الجرائم وعنف المستوطنين والمتطرفين، لكن مجمل هذه التصريحات كان واضحاً انه إعلامي موجه للخارج في محاولة للتخفيف من اظهار اسرائيل دولة عنصرية وفاشية.

فصحيح ان منفذي العملية الارهابية ضد الفتى أبو خضير ضبطوا ويحاكمون حالياً، إلا أن جرائم القتل التي تنفذ بحق الفلسطينيين مستمرة. والسبب هو ان هناك تربة خصبة. فما كانت هذه الافكار الارهابية لتتغلغل في عقول المتطرفين وتتفشى في ممارساتهم من دون ان تكون لها تربة خصبة تنمو فيها. ففي اسرائيل لا يكاد يمر يوم واحد إلا ويجري الحديث عن جانب من السياسة العنصرية والتمييز وتفشي الكراهية للفلسطينيين والعرب وتصريحات تطلق من قبل مسؤولين، سواء على منابر شعبية أم رسمية، كالكنيست وغيرها، تشجع على هذه السياسة التي تولد بالتالي تربة خصبة لتنفيذ جرائم القتل. ثم أن الصمت على عشرات الجرائم البشعة، هو بحد ذاته تشجيع لتنفيذ غيرها.

في اسرائيل يسود قلق من ان الانتقام لجريمة مقتل الطفل دوابشة والشاب ليث الخالدي (الذي قتله الجيش وهو يتظاهر احتجاجاً على إحراق عائلة دوابشة)، بدم بارد، مسألة وقت. وفي تقدير جهات أمنية اسرائيلية فإن الاعمال الاستفزازية التي تقوم بها اسرائيل، بحق الفلسطينيين، بخاصة في المسجد الاقصى، ستكون دافعاً لتنفيذ الانتقام، وستشهد المنطقة أياماً حساسة يرافقها احتمال اشتعال الاوضاع في الضفة. وتجري اجهزة الامن تحقيقات لمعرفة اذا ما اذا كانت العملية في دوما تجاوزت «حافة الامتصاص» لدى الجمهور الفلسطيني، وما اذا كانت ستقود الى اشعال المنطقة، او ان العملية باتت وراءنا.

رئيس أركان الجيش الاسرائيلي، غادي ايزنكوط، أعلن بشكل صريح ان جريمة دوما هي حادث ارهابي بكل ما تعنيه الكلمة ولكنه وغيره من قادة الجيش، يتذمرون من ان القيادة السياسية لا توفر للجيش الوسائل القانونية لتفعيل صلاحياته كمسيطر على المنطقة، ومسؤول عن صد الارهاب اليهودي، ايضا. لا توجد اعتقالات ادارية، ولا يوجد أي تعريف لجهات معينة كتنظيمات غير قانونية أو ارهابية، ولا وجود لعقوبات على المدارس الدينية التي يخرج منها القتلة. وبالتأكيد لا يوجد قرار سياسي من الحكومة يأمر بالتعامل مع الارهاب اليهودي كما يتم التعامل مع ما تسمّيه اسرائيل «ارهاباً فلسطينياً» أو عربياً.

وبحسب تقويم الجيش للأوضاع فانه في حال تم تنفيذ عمليات انتقامية، فسيخرج مرة اخرى منفذ العمليات المنفرد، ومنفذ عمليات الطعن، والدهس والاغتيال. ولكن اذا جرت جنازة أخرى في عائلة دوابشة، (الأم مصابة بجراح خطيرة للغاية وتصارع الموت)، واذا لم يتم اعتقال القتلة خلال الايام القريبة، واذا لم تبث إسرائيل صورة تعكس بذل جهود عالية، ستكون فرص الانفجار كبيرة.

تقصير الاستخبارات

وهناك أسئلة كثيرة على القيادة الاسرائيلية أن تجيب عنها في حال نجاح الطلب الفلسطيني بحث هذه العملية الارهابية في محكمة لاهاي لجرائم الحرب. فهناك سيسألون عن التقصير في عمل اجهزة الاستخبارات والامن الاسرائيلية تجاه المتطرفين اليهود واذا كانت تقوم بواجبها أم لا. قبل اشهر طويلة أعلن وزير الدفاع، موشيه يعالون، عن «شبيبة التلال» كتنظيم غير قانوني، لكن هذا التعبير لا يزال مقيداً، وسيسألون: لماذا لم تعتبرونهم تنظيماً ارهابياً؟ ولماذا يتم التعامل مع الشبيبة اليهودية المتطرفة بيد من حرير في المقابل تشتد قبضة اليد الحديدية في التعامل مع الفلسطينيين؟ وفي مقارنة بسيطة فاذا تم التوصل الى لوائح اتهام، فان الفلسطيني يحاكم في محكمة عسكرية ويعاقب. اما اليهودي فيحاكم في محكمة مدنية داخل الخط الاخضر. 86 في المئة من الاطفال الاسرى يتعرضون للتعذيب، والممارسات اليومية لسياسة الاحتلال الاسرائيلي تجاه الفلسطينيين هي بحد ذاتها، السبب الاقوى لارتكاب مذبحة دوما، اذ ان العنف الذي تمارسه اجهزة الامن والشرطة بحق الفلسطينيين يشجع على تحويلهم ضحية يومية. واذا كان الشاب ليث قتل برصاصة الجيش الاسرائيلي، مرة واحدة، فان عشرات الاطفال الفلسطينيين يقتلون، بسبب هذه السياسة، كل يوم مرة. وتكفي هنا الاشارة الى الاطفال المعتقلين.

«مركز الانسان للديموقراطية والحقوق» اعتبر القتل والحرق اللذين ينتهجهما المستوطنون في الضفة الغربية وينفذان تحت اسم «مجموعات تدفيع الثمن»، في محاولة منهم لتهجير الفلسطينيين، سياسة قديمة جديدة، وهي الارهاب بعينه، وهؤلاء في حقيقتهم مجموعات إرهابية تمارس العنف والقتل ضد السكان. ونقل المركز جريمة دوما ومقتل الخالدي الى المحافل الدولية. وبينما ستتصدر الجريمة ملف الشكوى التي تعدها السلطة الفلسطينية ضد اسرائيل لتقديمها الى المحكمة الدولية، اكد المركز ضرورة تقديم ملف الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية، وعدم الخضوع للتهديدات والعمل من قبل أجهزة الأمم المتحدة على محاسبة المجرمين وتقديمهم للعدالة، والخروج عن الصمت بنصرة الجلاد على الضحية.

تمييز وعنصرية

والاطفال الفلسطينيون ليسوا ضحايا المستوطنين والمتطرفين فحسب، فهم من الشرائح الاكثر تعرضاً لسياسة التمييز والعنصرية. وكشف تقرير للحركة العالمية للدفاع عن الاطفال ان 86 في المئة من الاطفال الاسرى في السجون الاسرائيلية تعرضوا للتعذيب بزيادة 10 في المئة عن السنة الماضية، اضافة الى ان غالبيتهم لا يتمتعون بحق وجود مرافق من قبل الاهل او الاستشارة القانونية خلال التحقيق معهم، علماً انه في نهاية شهر أيار (مايو) من العام الحالي، بلغ عدد الأطفال الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية 163 طفلاً، بحسب إحصائيات إدارة السجون الإسرائيلية. ويبين تقرير الحركة العالمية ان الاطفال يتعرضون للتعذيب منذ لحظة اعتقالهم اذ يقوم السجانون باغلاق عيونهم ثم يتم تكبيل الأيدي والقدمين للسجناء الأطفال. و55 في المئة من الاطفال المعتقلين تعرضوا للتفتيش وهم عراة في السجون الإسرائيلية، كذلك يلزم الاطفال على التوقيع على مستندات أو أوراق باللغة العبرية أثناء التحقيق، وهي لغة لا يعرفونها. كما تبين ان اربعة اطفال سجنوا سجناً انفرادياً بهدف التحقيق معهم من قبل قوات الاحتلال، وهو اجراء يعتبر تعذيباً وفق المعايير الدولية والقانون الدولي. وتظهر ذروة ممارسة الحقد والعنصرية والتمييز في ان اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحاكم الأطفال أمام محاكم عسكرية تفتقر لأدنى متطلبات المحاكمة العادلة. ومنذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، توجه التهم للأطفال الفلسطينيين وفقاً للنظام العسكري الإسرائيلي وتحاكمهم أمام محاكم عسكرية، فالنظام العسكري الإسرائيلي يطبق فقط على الفلسطينيين على رغم أن المستوطنين الإسرائيليين يعيشون على الأرض ذاتها، وحتى اللحظة لم تتم محاكمة أي طفل إسرائيلي أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية.

الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين

منذ ظهور العصابات السرية اليهودية يمارس اليهود الارهاب ضد الفلسطينيين وابرز هذه العصابات «تي. إن. تي» (وهي اختصار عبري لعبارة ارهاب ضد ارهاب)، التي عملت بين 1983 و1984، وأُدين اعضاؤها بزرع عبوات ناسفة في مؤسسات دينية عربية في منطقة القدس. وفي 1984 جاءت عصابة «لفتا»، التي ضمت نشطاء متطرفين أقاموا في قرية لفتا المهجرة في القدس، وتسللوا الى الحرم القدسي حاملين عبوات ناسفة بهدف تفجير المساجد، لكن تم ضبطهم قبل تنفيذ الجريمة. وفي 22 نيسان 1985 وقعت العملية الارهابية التي نفذها داني ايزنمان وغيل فوكس وميخال هليل في القدس الشرقية، حيث أوقفوا سيارة أجرة فلسطينية وقتلوا سائقها. وقد حكم عليهم بالسجن المؤبد لكن تم اطلاق سراحهم بعد 5-11 عاماً. وفي 20 ايار 1990 ارتكب المجرم عامي بوبر جريمة قتل سبعة عمال فلسطينيين واصابة 11 آخرين في عيون قارة (ريشون لتسيون) اثناء انتظارهم في محطة لنقل العمال. وفرض عليه السجن المؤبد لسبع مرات، لكن تم تقليص عقوبته لمدة 40 سنة.

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1992، في الذكرى السنوية الثانية لمقتل زعيم حركة كاخ مئير كهانا، ظهرت «دورية الانتقام» التي قام اربعة من افرادها بإلقاء قنبلة في الحي الإسلامي في القدس اسفرت عن قتل فلسطيني واصابة عدد كبير من الجرحى. وفي 25 شباط 1994، جاء السفاح باروخ غولدشتاين ونفذ مجزرة الحرم الابراهيمي، فقتل 29 مصلياً مسلماً وأصاب 129، قبل سيطرة الآخرين عليه وقتله. وفي عام 2002 ظهرت مجموعة الارهابيين من مستوطنة بات عاين الذين ادينوا بمحاولات عدة لتنفيذ عمليات ارهابية ضد الفلسطينيين، لكنهم برئوا من قتل ثمانية فلسطينيين. وفي الرابع من آب (أغسطس) 2005، صعد الارهابي عيدن نتان زادة، الجندي الفار من الخدمة، الى حافلة ركاب من شفا عمرو، وقتل اربعة من ركابها وأصاب آخرين، قبل ان تتمكن الحشود التي وصلت الى المكان من القبض عليه وقتله. وفي 17 آب 2005، اختطف المستوطن اشير فيسغان سلاح أحد الحراس وفتح النار على الفلسطينيين الذين كان يقلهم في سيارته، فقتل اربعة واصاب آخر.

وفي 1997 قام يعقوب طيتل بقتل فلسطينيين، وحاول اغتيال البروفيسور زئيف شطرنهال. كما اصاب مواطناً يهودياً آخر. وفي 21 تموز (يوليو) 2014، اختطف يوسف حاييم بن دافيد وقاصران يهوديان الطفل الفلسطيني محمد ابو خضير من شعفاط وأحرقوه حياً في غابة القدس، انتقاماً لقتل ثلاثة فتية يهود، كما ادعوا في المحكمة.

والقائمة تطول مع تنفيذ عمليات الاعتداء والحرق على الأماكن الفلسطينية، المسيحية والاسلامية المقدسة، من مساجد ومقابر وغيرها.