بدر الديحاني


بات من الواضح أن المنطقة العربية مقبلة على تغييرات سياسية سيترتب عليها رسم خريطة جيوسياسية جديدة «سايكس-بيكو جديدة»، وقد كان الاتفاق الإيراني-الغربي أحد مؤشراتها القوية، فالدول الرأسمالية الاحتكارية عموما وأميركا خصوصا تحاول، بكل ما أوتيت من قوة وسلطة ونفوذ، إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط لمصالحها من أجل التخفيف من حدة أزمتها الاقتصادية البنيوية، وإفشال الثورات العربية من جهة، ومواجهة الصين كقوة اقتصادية صاعدة من الجهة الأخرى.


ولهذا تم الاتفاق السياسي-الاقتصادي مع إيران تحت عنوان «النووي الإيراني»، وقبل ذلك أُبرز «داعش» فجأة، ومن دون أي مقدمات، كإحدى الأدوات «المُجرّبة» من قبل مثل «طالبان» و»القاعدة»، والتي يتم استخدامها عادة في تنفيذ المشاريع الاستعمارية الجديدة، بعد أن يبالغ إعلاميا في إبراز قوتها وتصويرها وكأنها دولة عظمى لا تستطيع الجيوش الجرارة المدججة بالأسلحة الضخمة الفتاكة هزيمتها، وهو ما يُذكّرنا بالدور الذي لعبه الإعلام الغربي عندما بالغ كثيرا في وصف قوة الجيش العراقي بعد نهاية الحرب العراقية-الإيرانية، أي أثناء حكم الطاغية صدام، بل زعم امتلاكه أسلحة دمار شامل اتضح في ما بعد أنها مجرد أكاذيب لا أساس لها من الصحة.


المتغيرات المتسارعة تتطلب اصطفافات وتكتلات سياسية جديدة في المنطقة، بعضها تشكل بالفعل منذ مدة مثل محور تركيا وقطر المساند بقوة لجماعة «الإخوان» والمتبني لأطروحاتها، وبعضها الآخر في طور التشكُّل مثل محور مصر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت والأردن.
المشكلة هنا تتعلق بوضع مجلس التعاون الخليجي الذي بات من الواضح أن أعضاءه منقسمون على أنفسهم في ما يتعلق بالسياسة الخارجية (عُمان تحتفظ دائما بسياستها المنفردة)، وفي السياسة الاقتصادية أيضا، إذ يبدو أنه لا شيء يجمع دول مجلس التعاون سوى الجانب الأمني-البوليسي (تم التوقيع العام الماضي على الاتفاقية الأمنية الخليجية في حين لم يتم التوافق على سياسة خارجية أو اقتصادية موحدة)، وهو ما يعكس طبيعة مجلس التعاون الذي تشكل في بداية الثمانينيات لأسباب أمنية أملتها ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد، خصوصا بعد أن أُعلنت في إيران النية لتصدير الثورة الإيرانية التي استولى عليها الملالي بعد أن أقصوا القوى الثورية الوطنية والديمقراطية والتقدمية، ثم لم ينجح، أي مجلس التعاون، في التحوّل، في ما بعد، إلى تكتل سياسي-اقتصادي قوي، وذلك نظراً لطبيعته الأمنية، وعدم مشاركة الشعوب في تحديد سياساته وتوجهاته العامة.
وفي ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية الحالية المتسارعة فإن السؤال الآن هو: هل يبقى مجلس التعاون الخليجي منظمة إقليمية تنحصر مهمتها في تنفيذ الاتفاقيات الأمنية الداخلية، أم يعاد تشكيله، كما تطالب القوى المدنيّة والديمقراطية، على أسس ديمقراطية سليمة، بحيث يتحول إلى تكتل سياسي-اقتصادي لا منظومة أمنية فقط، وهو الأمر الذي يتطلب مشاركة الشعوب في إدارته ورسم سياساته، بحيث يكون له دور قوي ومؤثر يحسب له حساب في أي ترتيبات سياسية جديدة في المنطقة؟