حسن بن سالم

تعرُّض السعودية أخيراً لأعمال إرهابية عدة من تنظيم داعش الإرهابي -وفي مقابله أطاحت الجهات الأمنية بـ431 إرهابياً ينتمون إلى هذا التنظيم الإرهابي، ويعملون لمصلحته وفق مهام وأعمال مختلفة- ينبئ عن وجود مخطط ومشروع كبير يسعى التنظيم من خلاله إلى إثارة الفوضى، وتقسيم وحدة المجتمع السعودي، وزعزعة أمنه استقراره.

&

وفي سبيل تحقيق ذلك فإنه يبذل كل ما يمكنه من تحقيق ذلك بلا هوادة أو تفريق أو تمييز في استهدافه، بين مواطن ومقيم، أو سني وشيعي، أو كبير وصغير، أو مسلم وغير مسلم، فالسعودية كانت الملمح الأبرز في كلمة خليفة التنظيم المزعوم أبو بكر البغدادي التي كانت بعنوان: «ولو كره الكافرون» في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، حيث كان التركيز على جعل أمن المملكة العربية السعودية هدفاً أساسياً لـ«داعش»، باستهداف الشيعة، وجنود الأمن، ودعوته إلى «تفجير براكين الجهاد في كل مكان وإشعال الأرض ناراً» على حد تعبيره، وإعلانه قبول «بيعة» كل من بايعوا «تنظيمه»، والتي كان من أهمها ولاية نجد، التي ظهرت إلى العلن منذ ذلك الحين، تلك الكلمة دشنت مرحلة جديدة، عنوانها استهداف أمن السعودية واستقرارها، ونقل الحرب والفوضى وترحيل العنف الداعشي إليها، وإلى مناطق أخرى.

&

لماذا السعودية؟ «داعش» يدرك تماماً الحجم والثقل السعودي في خريطة العالم الإسلامي، والدور الفكري والعسكري الكبير الذي تقوم به مع أصدقائها من الدول في محاربة إرهاب هذا التنظيم، وهو ما جعلها مستهدفة للنيل من أمنها وزعزعة استقرارها؛ إذ عمد التنظيم إلى وضع مشروع مخطط يعتمد من خلاله على تقسيم المملكة إلى مناطق عدة أو ولايات، بحسب تعبيره، وتوزيع الأدوار والمهمات على أفراد التنظيم التابعين له، وتنفيذ العمليات في فترات مختلفة محددة وممنهجة ومتتابعة.

&

وقد أشارت الجهات الأمنية في السعودية إلى أن التنظيم كان يهدف إلى أن يكون شهر رمضان المبارك ذروةً للعمليات الإجرامية، فيما كانت الشهور السابقة له مخصصة للإعداد والتجهيز والتخطيط وضخ الأموال والتدريب والتغطيات الإلكترونية.

&

وفي الوقت الذي تمكنت الجهات الأمنية من إحباط عمليات تفجير لمساجد وتجمعات أمنية عدة، استطاع التنظيم من تنفيذ بعض عملياته، ويعود ذلك إلى انتقال الإرهاب من خانة الإرهاب المعولم ومرحلة الجهاد العالمي (عولمة الجهاد)، وهو ما جسَّدته فكرة تنظيم «القاعدة»، الذين عُرفوا بالجيل الثاني من الجهاديين، إلى مرحلة جيل ثالث جديد، وهو إرهاب «الفرد» وهو نوع جديد وخطر تتضاءل فيه العوامل والمعرفة والتأصيل الديني ويتضخم مقابلها العامل النفسي و«الفكرة المسيطرة».

&

هذا النوع الجديد من ظاهرة «الجهاد الفردي والتجنيد الإلكتروني لصغار السن والمراهقين، لا يخضع للتنميط، وأعضاؤها ينحدرون من خلفيات اجتماعية متنوعة ومتفاوتة، ينشطون في العالم الافتراضي بدون قيادات او تنظيمات فعلية، وإنما يتعاملون مع قيادات رمزية على شبكة الإنترنت لا أحد يعرف هويتها الواقعية الحقيقية. الإرهابيون الجدد في هذه المرحلة -كما ذكر مارك سيغمان (متخصص في علم النفس السياسي وأحد ضباط المخابرات الأميركية سابقاً وممن كان حلقة وصل مع «المجاهدين الأفغان» على مدى أعوام) - هم نتاج ثقافة الإنترنت، وإذا أثارت صورة أو لقطة في فيديو غضبَهم فإنهم يتجمعون في الإنترنت ويشجِّع بعضهم بعضاً على القيام بعمل معين، وشأن الشباب عبر الحدود الزمنية والدينية أنهم يشعرون بالسأم ويتطلعون إلى الإثارة الحسية»، وكذلك أكد جوناثان رسل من مؤسسة كويليام البحثية البريطانية لمناهضة التطرف «أن «تويتر» غيّر الطريقة التي يتم فيها التجنيد وزرع التطرف، فلا يمارس الأمر من خلال مجموعات أو شخوص يخطبون في الناس خطاب الكراهية؛ وإنما من خلال شبان يقومون بتسويق أخبار ومعلومات، ويتبعهم على «تويتر» شباب يسهل التأثير فيهم»، وهم في الوقت ذاته يفتقرون، وهم في سن المراهقة وحتى نهاية عقد العشرين، إلى أية برامج تملأ وتستهدف ما لديهم من حيرة وتساؤلات، فجاء العالم الافتراضي ليلعب على وتر الإحساس وتنمية الشعور لديهم بالأهمية وعدم الإهمال، بأن الأمة «تعاني المهانة مشرقاً ومغرباً»، وأن الفرصة قد حانت للقيام بدور الواجب الجهادي تجاه أمته، بحيث تجعله كائنًا أخلاقيًا منشغلاً بأمانة التكليف، وهو ما لا يتم لديهم إلا من خلال عملية «الاستشهاد»، بحسب زعمهم، وكشفت دراسة نشرها مرصد «بروكينغز» الأميركي أخيراً بعنوان: «تعداد داعش على تويتر» في رصد تم ما بين شهر سبتمبر إلى ديسمبر 2014 لا يقل عن 46 ألف حساب تعمل لمصلحة تنظيم «داعش».

&

وأشارت إلى أنّ «هناك أكثر من 866 حساباً داعشياً نشطاً في مجال الترويج والتجنيد في السعودية وآلاف الحسابات المؤيدة والداعية، التي تنشر قرابة ثلاثة ملايين تغريدة سنوياً»، وبحسب هذا الدراسة، فإنّ السعودية هي المصدر الأول للتغريدات، ونتيجة لذلك فإن «داعش» يعمل على القيام بشن عملياته الإرهابية في السعودية، وتنسيقها إلكترونياً عبر استراتيجية ما يُعرف بالذئاب المنفردة وهم أشخاص أو مجموعات صغيرة من شخصين أو ثلاثة كحد أقصى من دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، فعمليات تفجير المساجد في كل من السعودية والكويت، قد نفذها انتحاريون مراهقون، لم يكن خطرهم واضحاً للسلطات الأمنية، وقد أشار المتحدث الأمني السعودي في تصريحه إلى أن الخلايا التي نفذت تلك العمليات قد نفذت جرائمها عبر عمليات (الذئب المنفرد)، ومن المعروف أن ظاهرة الذئاب المنفردة لا يمكن لأي جهاز أمني مهما بلغت قدراته أن يحيط وحده بكل جوانب هذه الظاهرة المؤرقة للعالم أجمع، والتحوّط من أي قاتل مهووس يخرج صباحاً من بيته العائلي إنساناً عادياً، ليُفاجأ أهله قبل سواهم بأن وحشاً بشرياً كان يعيش بينهم تحت سقف واحد، فهذه الظاهرة بطبيعتها تضع الجميع دولةً ومجتمعاً وأُسراً ومساجد ومدارس أمام مسؤولية لم يعد ممكناً بأي حال التملّص منها أو التقصير بالدور الواجب تجاهها، وهو ما يجعلنا بحاجة إلى خطة عمل طويلة الأمد لا تقتصر على الجانب الأمني أو المؤسسات الرسمية، فقضية الاهتمام بالجيل الشاب بمحتوى يتحدث بلغتهم ويعالج مشكلاتهم وفق معطيات وتقنيات العصر، وبالوسائل ذاتها التي يستخدمها ويلجأ إليها أولئك الإرهابيون، وليس بالوسائل التقليدية هو أمر يجب ألا يُلقى العبء فيه على المؤسسات الرسمية وحدها، بل على مؤسسات القطاع الخاص والجمعيات التطوعية والنخب الثقافية دور كبير في تحقيق ذلك.
&