حسن بن سالم

التحفّظ، أو النفي، الأميركي على إعلان مسؤول تركي الاتفاق بين واشنطن وأنقرة على إقامة منطقة آمنة شمالي سورية، لم يمنع رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، من تأكيد عزم بلاده على إقامة هذه المنطقة بمساعدة الولايات المتحدة ودول أخرى، وأنها -وفقاً لمصادر تركية- ستكون في غضون ثلاثة أشهر، هو ما يجعلها قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ والعمل بها، والتي تشكل تغييراً لقواعد اللعبة في حال تنفيذها، إلا أن كل تلك التصريحات لا تنفي أن مشروع المنطقة الآمنة لا يزال يكتنفه جملة من التعقيدات والمعوقات.

&

فمن حيث الشكل والمفهوم ونظراً إلى التباين في تحقيق بعض الأهداف منها، هي منطقة وفق الطرح التركي ستكون ملاذاً آمناً للنازحين السوريين من قوات النظام أو هجمات «داعش»، أو حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي PYD، بطول 100 كيلومتر وعرضها 45 كيلومتراً، وتسعى في أن تكون منطقة حظر جوّي، تركيا تهدف أو تطمح من هذه المنطقة الآمنة إلى تحقيق أربعة أمور: إبعاد خطر تنظيم داعش عن الحدود التركية ومنع قيام كيان كردي في سورية محاذٍ للحدود التركية من تنظيم «بي واي دي» الكردي مهما كان شكله، ومنع الطيران السوري من قصف المنطقة، ومن ثم إعادة السكان المهجّرين في الداخل إلى هذه المناطق الآمنة، وتخفيف أعبائهم الحالية على السلطة التركية، تنظيم المعارضة السورية وتعزيز دورها لقتال نظام الأسد، إذ يتمّ العمل في مرحلة لاحقة، بعد تأمين المنطقة من «داعش»، للتوجه نحو فتح معركة حلب، بغية توسيع حدود المنطقة الآمنة وفرض آليات حل سياسي، بناءً على هذه المعطيات الجديدة.

&

في المقابل يدحض المسؤولون الأميركيون حتى هذا الوقت التوصيف التركي لها؛ لأن هدفهم الوحيد ومبتغاهم منها هو هزيمة تنظيم داعش والقضاء عليه من المناطق التي يسيطر عليها شمالي سورية، فهم يتحدثون عن منطقة خالية منه، ولا يتحدثون عن منطقة أو ملاذ آمن كما قال مارك تونر متحدث الخارجية الأميركية.

&

التباين بين التصريحات التركية والأميركية توحي إلى وجود اتفاق أصلي بين الطرفين تم الاتفاق من خلاله على الخطوط العريضة حول تلك المنطقة، وهو تطهير شمال سورية من التنظيم، ولكن تركيا تسعى للقيام وتنفيذ أكثر مما اتفق عليه لتحقق أولوياتها، وأما الإنكار الأميركي لبعض التفاصيل فهو ضروري بالنسبة إليهم؛ كي لا يدرك الأكراد أنهم تخلوا عنهم، وهم حليف مهم بالنسبة إليهم، فقد ثبت أنهم القوة الأكثر نجاحاً في مكافحة «داعش» على أرض الواقع، وإذا لم تكن تشمل منطقة حظر جوي، فلن يكون بالإمكان وقف قوات الأسد الجوية من تدمير أي بنى تحتية عسكرية قد ينشئها الثوار في تلك المنطقة.

&

أما من الناحية الإشرافية وطبيعة وهوية الفصائل السورية المسلحة التي ستتولى مسؤولية حمايتها وقيادتها، والكيفية التي ستلجأ إليها كل من تركيا والولايات المتحدة لتأمين الحماية الجوية لها، فهي قضية لها تعقيداتها الأخرى، والإجابة الحاضرة في المشهد حتى الآن هو ما يؤكده الأتراك في أكثر من مناسبة بأن السيطرة على تلك المنطقة وحمايتها سيقودها «الجيش السوري الحر» بحماية جوّيّة أميركيّة وتركيّة، وأنها لن تسمح بأي وجود لجبهة النصرة ذراع القاعدة في هذه المنطقة.

&

«النصرة» بدورها -وسواء أكان بتنسيق تركي أم بدونه- كان أفضل الخيارات أمامها هو الإعلان وبشكل هادئ الانسحاب من المناطق التي تنوي أنقرة أن تقيم فيها المنطقة «العازلة أو الآمنة»، فسلمت مواقعها المحاذية للحدود التركية للجبهة الشامية، فهي، وللحفاظ على مصالحها لم ترد حدوث أية مواجهة أو تصادم مع مشروع أنقرة في المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث عزلة لها، ولاسيما أن معظم الفصائل أصدرت بيانات دعم وتأييد للتعاون مع الجيش التركي في إنجاح المنطقة الآمنة، وكذلك تجاهلت أيضاً تصريحات رئيس الحكومة التركية التي أكدت استبعاد «النصرة» تحديداً من المنطقة، ولكن وبإزاء الانقسام داخلها بين معارض يرى أن في مشروع المنطقة الآمنة استهدافاً لها، وآخرون لا يعارضون المشروع التركي، وجدت نفسها مضطرة إلى إصدار بيان يرضي الطرفين، فبيانها تضمن المعارضة للمشروع دينياً وسياسياً، لكن من دون اتخاذ أي إجراءات عسكرية أو أمنية لمواجهته.

&

في الوقت نفسه من الناحية الميدانية كان «داعش» يسعى إلى مسابقة الزمن وبخطوات استباقية، من أجل تحقيق المزيد من التقدم والاستفادة من الثغرات التي تركها انسحاب «النصرة»؛ لإفشال مشروع المنطقة الخالية والاقتراب من مناطق سيطرة فصائل المعارضة، ولاسيما ما يتعلق بحصار مدينة مارع، معقل المعارضة وخزانها البشري في ريف حلب الشمالي، عبر عدد من المفخخات والانغماسيين، وهو ما أثار التساؤل حول قدرة الجبهة الشامية والجيش الحر في مواجهة وحرب «داعش» والصمود أمامه؟ وهنا يبرز الطرح والتناول لحركة أحرار الشام أكبر الحركات الإسلامية السورية، ورفيق سلاح النصرة، التي تتماهى مع المنطقة الآمنة التركية بوجهة نظر متناقضة مع جبهة النصرة، إذ أيدت بشكل واضح مشروع المنطقة الآمنة في شمال سورية بدعم تركي وتنسيق ميداني وسياسي بين الفصائل الثورية، وأشادت بسياسة تركيا إزاء القضية السورية، ويأتي موقفها بالتزامن مع ارتفاع أسهمها، بعد حملتها التسويقية في الإعلام الغربي كفصيل معتدل في الفترة الماضية، وهو ما يؤهلها لأن تكون لاعباً رئيساً في المرحلة المقبلة في ما يتعلق بمشروع المنطقة الآمنة، وفي غضون الترتيب التركي لهذا المشروع تأتي ضربات التحالف الدولي لـ«جيش السنة» المعتدل في بلدة أطمة الحدودية مع تركيا؛ لتزيد التعقيد في إمكان إنشاء ما يسمى منطقة آمنة.

&

وكما قال الباحث والكاتب في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في مقالة له هنا وفي ظل هذه التعقيدات وغيرها: «لا أعتقد أننا سنرى أي شيء يقترب حتى مما يشبه منطقة آمنة في سورية».
&