محمد خروب

يلعب «الكرد» جيداً في المشهد السياسي التركي المأزوم، ويبدو ان «اوباما تركيا» كما يصف كثيرون الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديميرطاش، قد «نجح» في تسجيل اكثر من نقطة لصالحه، بعد أن ظهر ارتباك اردوغان وخصوصاً زعيم حزب العدالة والتنمية احمد داود اوغلو، الذي أعاد «التفويض» الذي منحه اياه رئيس الجمهورية لتشكيل ائتلاف حكومي بعد ان فشل في مهمته خلال المدة الممنوحة له (45 يوماً اعتذر عن عدم نجاحه بعد 42 يوماً، فقط لقطع الطريق على زعيم حزب الشعب الجمهوري لتكليفه تشكيل ائتلاف) ما ترجمه (ديميرطاش) في المسارعة الى اعلان استعداد حزبه للمشاركة في الحكومة «المؤقتة» التي كُلِف اوغلو تشكيلها، للتحضير للانتخابات المقرر اجراؤها في الاول من تشرين الثاني القريب.

كُرد تركيا وخصوصاً حزب الشعوب الديمقراطي، يُشكلون صُداعاً مُقيماً لرجب طيب أردوغان وطموحاته الامبراطورية في تعديل النظام القائم وأخذه الى نادي الانظمة الرئاسية وهم ايضاً (الكرد) بمثابة حجر عثرة أمام طموحه بأن يبقى في منصبه حتى العام 2023 بما هو العام الذي ستكون فيه «الجمهورية» التي أعلنها مصطفى كمال، قد اكملت «مائة» عام من عمرها، وعندها سيدخل التاريخ كـ»اتاتورك» آخر، ولكن بعباءة اسلاموية ورطانة عثمانية «.

ولأن كرد تركيا دائماً، هم الذين وجهوا له الصفعة الاقوى التي ما تزال اصداؤها تتردد في المشهد التركي والاقليمي وتنعكس على هبوط غير مسبوق لليرة التركية وتوالي الانتقادات لسياسات القمع والتنكيل بالمعارضين ومطاردة الصحفيين والتحالف مع داعش (رغم اعلان انقرة انها قد باتت شريكة في التحالف الدولي لمكافحة الارهاب)، فإن مجرد وضع داود اوغلو أمام الأمر الواقع (غير المسبوق في تاريخ تركيا الجمهورية) وهو وجود وزراء «كرد» في احدى حكوماتها، حتى لو كانت حكومة انتخابات، سيكون بمثابة لطمة شخصية لاردوغان وهزيمة للحزب الحاكم الذي انقلب على «عملية السلام» وراح يقصف الكرد ويُطارد مقاتليهم في جبال قنديل وداخل الاراضي السورية في عربدة موصوفة على سيادة بلدين عربيين.

هنا تكمن «المشكلة» التي لن تمر تداعياتها بسهولة وستأخذ نصيبها من النقاش المحتدم الان على الساحة التركية وبين احزابها الرئيسية، التي وجدت في الدعوة الى انتخابات مُبكرة وصفها زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو بأنها «انقلاب مدني» قاده اردوغان، بعد أن أهدر فرصة الـ(45) يوماً التي يمنحها الدستور لرئيس الحكومة المكلف كي يُشكل حكومته او يعيد التفويض لرئيس الجمهورية قبل مدة «معقولة» كي يتم تفويض زعيم الحزب الثاني في عدد المقاعد، وهو امر تآمر عليه اردوغان واوغلو, كي يأخذا البلاد الى انتخابات مبكرة، ظناً منهما انهما قادران على «تعديل» موازين القوى لصالحهما بعد ان اهتزت كثيراً وكما اظهرتها صناديق الاقتراع في السابع من حزيران الماضي, عندها لم يتردد اردوغان واوغلو ووسائل الاعلام المؤيدة لهما من القول: ان الانتخابات المبكرة هي السبيل الوحيد لإخراج البلاد من الازمة السياسية التي تعيشها والمقصود هنا تعذر قيام حكومة ائتلافية بعد ان أعلن حزب الشعوب الديمقراطي انه غير معني بالدخول فيها فيما الحركة القومية المتطرفة وضعت شروطاً صارمة لدخولها، ورأى حزب الشعب الجمهوري ان داود اوغلو لم يكن جاداً في طروحاته وعروضه وانما اراد كسب الوقت واعتبار الاحزاب الاخرى «مُلحقة» في حزبه.

الى أين من هنا؟

لن يستطيع داود اوغلو إغفال كرد تركيا وحزبهم الذي اجتاز حاجز نسبة الحسم (10%) وبات رقماً صعباً، بل ليس من المغامرة القول: انه (حزب الشعوب) لن يخرج من المشهد الحزبي بعد الان وسيكون تجاوزه نسبة الحسم مسألة غير شائكة او صعبة، كما كانت قبل السابع من حزيران الماضي، لان قادته ادركوا اهمية التحالف مع قوى اليسار التركي وباقي خصوم حزب العدالة والتنمية، واولئك الذين يروا في اردوغان واوغلو، مجرد غطاء للاسلام السياسي بنسخته الاخوانية، فضلاً عن ما افرزته فضائح الفساد اردوغان وتعلقه الشديد بنظرية المؤامرة ونزعة والاستعلاء التي تُميز سلوكه تجاه خصومه بل والاقربين (كما فعل مع عبدالله غل) من ابتعاد شرائح من مؤيدي حزب العدالة والتنمية.

الدستور يفرض مشاركة «كل» الاحزاب الممثلة في البرلمان، في أي حكومة مؤقتة تكون مُهمتها الاشراف على الانتخابات، وما دامت الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري قد رفضا المشاركة في حكومة كهذه، فإن «الفخ» الذين أوقعا داود اوغلو (اقرأ وأردوغان ايضاً) سيكون مُؤلماً، حتى لو نجح داود اوغلو في تمرير «تهديده» بأنه هو مَنْ سيختار «الوزيرين» اللذين سيشغلا حقيبتين في حكومته، ولن يخضع لترشيحات قيادة حزب الشعوب الديمقراطي، وهو أمر ادركه ديميرطاش فسارع الى القول: إن «كل» واحد من نواب حزبه مؤهل لشغل المنصب الوزاري.

وزراء «كرد» في حكومة تركية؟ مَنْ كان يصدق؟

المفاجآت ستتوالى وسينهار مخطط اردوغان، وربما يدفع الثمن من رصيده السياسي الآخذ في التآكل.

.. الانتظار لن يطول.