أحمد عبد الملك

شاهدت الفيلم العربي «طباخ الريّس»، بطولة الفنان خالد زكي، والذي مثّل رئيساً مهموماً بقضايا شعبه، وبمحاولة إيجاد حلول للمشاكل التي تواجهها بلاده. وكان يمثل دور الطباخ «متولي» الفنان طلعت زكريا. ومن مشاهده الطريفة أن الرئيس أراد التجول لوحده في أنحاء البلاد والاختلاط بالناس دون حماية أو موكب. ولما علمت الحاشية في القصر، قامت بالإيعاز لوسائل الإعلام كي تعلن عن كسوف للشمس طوال اليوم، فإذا بالشوارع خالية، والمحال التجارية والمطاعم مغلقة، والحركة متوقفة.. فالتقى الرئيس ببائع أطعمة متجول، دار بينهما حوار حول أوضاع البلاد، دون أن يعلم البائع أن الذي أمامه هو رئيس الجمهورية. ولقد أفرغ البائع كل ما في قلبه للرئيس، فأعجب به وأخذه معه ليكون طباخه في القصر. الطباخ كان تلقائياً وصريحاً و«ابن بلد». وكان يخبر الرئيس بكل ما يعنّ له، ويجيب على أسئلته دون تحفظ أو دبلوماسية. خافت «الحاشية» من تعرض مصالحها للخطر بعد أن بدأ الرئيس يحاسبها على بعض الأمور التي كانت لا تصله بصراحة، فدبرت لإبعاد الطباخ عن القصر.

وذات يوم طلب الرئيس خبزاً عادياً من ذلك الذي يأكله الشعب، فأحضر له الطباخ رغيفين منه، ليكتشف أنه يحتوي على شوائب، وأراد أن يُعلم وزراءهُ بذلك، فأقام لهم غداءً في القصر، واقتصرت المائدة على فول ورغيف مدعوم من الذي يأكله الشعب. شاهد الرئيس وزراءه وهم يُخرجون «الزلط» والخيوط وقطع البلاستيك من أفواههم في تقزز. وكانت تلك إشارة ذكية من الرئيس إلى علمه بأن وزراءه لا يعانون ما يعانيه الشعب، فأقال وزير التموين.

أعدت «الحاشية» ملفاً مزوراً عن الحالة الصحية للطباخ، فيه أنه يحمل فيروساً، وقدَّمته للرئيس. تم الاستغناء عن الطباخ، والذي نراه في نهاية الفيلم جالساً على الأرض أمام صورة ضخمة للرئيس، يُسائله عن الأحوال في البلاد.. في إشارة إلى هزيمته وانتصار «الحاشية».

المعنى والقيمة الأخلاقية لهذا الفيلم كانت حول دور «الحاشية» أحياناً في حجب الكثير من الأخبار الحقيقية التي تخص الشعب، والتي قد تُنغص مزاج الرئيس، وبالتالي يمكن أن تؤدي لمساءَلة المسؤول المختص. كما يتضمن دعوة للرئيس كي ينزل إلى الشارع ويتعرف على مشاكل الناس، ودعوته أيضاً إلى عدم الثقة دائماً فيمن حوله.

لقد أثبتت التجارب أن الكثير من الأحداث والقرارات كانت وراءها «حاشية الرئيس»، والتي قد لا تهتم بشؤون الشعب قدر اهتمامها بتنمية مصالحها. وهنا نستذكر نكبة البرامكة الذين عوّل عليهم هارون الرشيد فترة من الزمن.

وفي الآونة الأخيرة قابلتُ زميلاً إعلامياً لم أره منذ أكثر من 25 عاماً، وأخبرته بوجود مسؤول نافذ هو صديق قديم لكلينا، وكنت أعلم أنه مقرب جداً من ذلك المسؤول النافذ، لكني حين تلفظت باسم المسؤول، بادرني الزميل بالقول: «أخذ الكعكة الكبيرة وخرج»! تعجبت من هذا المسؤول الذي قلب لصديقه «ظهرَ المجن» بمجرد أن اقترب من مركز القرار. وفعلاً فاز بـ«الكعكة» الكبيرة، بينما خرجتُ أنا ومحدثي من الحفلة «بلا حمص»!

بودي لو شاهد كثير من المسؤولين العرب فيلم «طبّاخ الرئيس»، وهو حتماً سيُزيل عن قلوبهم بعض الهموم ويبعثهم على الضحك، لكنه سيعرفهم أيضاً بجوانب خفية قد لا تصلهم، كما سيكتشفون من خلاله أن «الحاشية» تُخفي عنهم بعض المعلومات، وأن طلبات الشعب وهمومه لا تصلهم كلها.