عثمان ميرغني

ردود الفعل الهزيلة في العالم الإسلامي على موقف سلوفاكيا العنصري ضد الإسلام والمسلمين، تجعل المرء يستعيد قول المتنبي «من يهن يسهل الهوان عليه.. ما لجرح بميت إيلام». فالمسلمون اليوم غارقون في مشاكلهم وخلافاتهم، ومنشغلون عن مواجهة سياسات ومواقف تستهدفهم، ناهيك عن عجزهم في اجتثاث ظواهر وحركات وممارسات جعلتهم هدفًا للتهجم من كل حدب وصوب. مع هذا الحال أصبح الضرب في الإسلام والمسلمين أمرًا متكررًا وسهلاً لكثير من الساسة المتطرفين، أو الساعين إلى التكسب من موجة العداء للإسلام المتداخلة مع قضايا الهجرة والإرهاب. اللافت أن بعض المواقف المعادية للمسلمين تثير أحيانًا ردود فعل ناقدة في الغرب أكثر مما تثيره في العالم الإسلامي، مثلما حدث بعد الموقف السلوفاكي الأخير.

لمن فاته الموقف المعيب الذي جاهرت به حكومة سلوفاكيا أورده هنا بإيجاز. ففي خضم الجدل حول موضوع مهاجري القوارب عبر المتوسط، والتباين في موقف الحكومات الأوروبية حول مواجهة المشكلة وتقاسم العبء مع دول جنوب أوروبا خصوصًا اليونان وإيطاليا، وكيفية استيعاب اللاجئين السوريين الذين تفوق معاناتهم الوصف، أعلنت سلوفاكيا أنها ستستقبل 200 لاجئ سوري، لكنها اشترطت أن يكونوا مسيحيين. المشكلة ليست في ضآلة العدد الذي أبدت سلوفاكيا استعدادها لاستيعابه، على الرغم من أنه يعكس عقلية منغلقة معادية للأجانب، بل المشكلة في تصنيف اللاجئين بمعيار ديني واستبعاد المسلمين تحديدًا. المسيحيون وغيرهم من الأقليات يعانون بلا شك، لكن معاناة المسلمين ليست أقل.

التبريرات السلوفاكية للقرار الذي أثار ردود فعل ناقدة في دوائر أوروبية، وتناقلته وسائل إعلامية باستهجان لمحتواه العنصري القبيح، لم تنجح إلا في تأكيد أن الحكومة هناك تتبع سياسة تمييز ضد المسلمين والإسلام. فعندما حاولت وزارتا الداخلية والخارجية في سلوفاكيا نفي أن قرار استقبال اللاجئين السوريين المسيحيين فقط يعني أن الحكومة تمارس التمييز ضد اللاجئين المسلمين، فإنهما تورطتا أكثر بالقول إن هدف الحكومة هو الحفاظ على ترابط المجتمع. المتحدثون الحكوميون شرحوا ذلك بقولهم إنه لا توجد مساجد في سلوفاكيا، وإن المسلمين سيجدون صعوبة في التأقلم والاندماج.

الموقف السلوفاكي يرد على أولئك الذين يرفضون الحديث عن الإسلاموفوبيا، أو يقللون من شأن العداء المتنامي للإسلام والمسلمين في الغرب عمومًا وفي أوروبا على وجه الخصوص. من هؤلاء رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، الذي صرح قبل أشهر بأنه يرفض استخدام تعبير الإسلاموفوبيا، معتبرًا أنه مجرد «تهمة تستخدم لإسكات الناس» ومنعهم من انتقاد ما وصفه بـ«الآيديولوجيا الإسلامية». القضية ليست في تعبير الإسلاموفوبيا أو في أي توصيف آخر يستخدم، بل في تنامي مشاعر العداء للمسلمين والشحن المعلن والمستتر ضد الإسلام وربطه بالإرهاب وكأن الإرهاب ظاهرة إسلامية خالصة، أو كأن العالم لم يعرف إرهابًا من غير المسلمين.

العداء للمسلمين لا يمكن لأي شخص منصف إنكاره، والشحن المستمر ضد الإسلام موجود وظاهر ويلعب دورًا في تأجيج العواطف، وتوظفه الحركات الإرهابية في دعايتها لاستقطاب وتجنيد الشباب بمن في ذلك شباب من الغرب. أما الإرهاب فهو ظاهرة عالمية عرفتها أوروبا وأميركا أيضًا، لكننا لم نسمع بدمغ المسيحية كلها بالإرهاب، أو اعتبار كل مسيحي إرهابيًا محتملاً إلى أن يثبت العكس، وذلك حتى إبان الفترة التي شهدت فيها أوروبا موجة إرهاب، وصعود حركات تتبنى العنف لتحقيق أهداف سياسية أو لإحداث تغيير مجتمعي. قد يقول قائل إن الإرهاب الذي حدث ويحدث في الغرب لا يرتبط بدافع ديني مثلما يحدث في العالم الإسلامي. هذا الكلام مردود عليه بأن هناك عنفًا مورس باسم الدين تاريخيًا في أوروبا، ويمكن الإشارة على سبيل المثال إلى محاولة تفجير البرلمان البريطاني في بداية القرن السابع عشر، وصولا إلى الأحداث المرتبطة بالنزاع في آيرلندا الشمالية. الأمر الثاني والأهم في تقديري أنه لا يمكن استخدام ممارسات جماعات جانحة وقلة متطرفة لدمغ دين بأكمله وكل معتنقيه.

موقف الحكومة السلوفاكية قد يبدو موقفًا معزولاً في نظر البعض، أو قد يراه آخرون لا يستحق التضخيم، وأن سلوفاكيا ذاتها دولة غير مؤثرة وموقفها لا يعني الكثير ولا يستدعي الرد. لا أتفق مع الرأي القائل بتجاهل مثل هذه المواقف والتصريحات، وأرى أنها تعكس ما هو أخطر ويجب التصدي له، وهو ظاهرة العداء المتنامي للإسلام والمسلمين، وترسيخ صورة مشوهة ومضللة لربط الإسلام بالإرهاب. سلوفاكيا ربما كانت أكثر حمقًا أو جرأة في التصريح بموقفها الرافض لاستقبال لاجئين مسلمين، لكن هناك دولاً أوروبية أخرى تبنت سياسة فرز اللاجئين السوريين على أساس ديني، وكأن «داعش» عندما يقتل ويدمر يستهدف المسيحيين ويستثني المسلمين الذين هم في الواقع أكبر ضحاياه.

الإسلاموفوبيا ليست وهمًا بل مشكلة حقيقية وخطيرة لا يجب الاستهانة بها أو التهاون في التصدي لها.

&