علي حسين

&

لم يخطر في باله ان الفصل الذي استبعده من روايته الشهيرة "بقايا اليوم" - ترجمها الى العربية ، طلعت الشايب - سيباع بمليون دولار عدا ونقدا، كان الاديب الياباني الشهير كازو إيشيغورو ، احتفظ بهذا الفصل الذي لم يعجبه في بداية الامر، لكن جامعة تكساس رأت فيه مفتاحا للدخول الى عالم هذا الروائي المثير للدهشة، وحين تسأله صحيفة نيويورك تايمز عن هذا الامر يقول : لو كنت اعرف ان هذه المسودات مهمة لتمسكت بها، مثلها مثل وطني الذي غادرته وأنا في الخامسة من عمري دون ان أنطق بكلمة وداع "
كتب عن الحياة التي يشوهها الكذب ، وتساءل ما الذي يجعل الانسان يتحول الى تابع لافكار الآخرين ، قال يوما لزوجته انه يريد ان يكتب رواية عن الناس الذين لايعرفون سوى الطاعة المطلقة .
في بقايا اليوم ، نقرأ عن رئيس الخدم الذي يعيش في قصر قديم يجد نفسه يتحول مثل المتاع من سيد الى آخر، وعليه أن يكون مخلصا أن لم يكن عبدا ، إنه في خدمة هذا المكان حتى وان تغير صاحبه وفي النهاية، ، هو في خدمة الولاء المطلق ، وحين يعرض عليه المالك الجديد ان يكون شريكا يرفض ، فهو لايصلح سوى لدور واحد هو دور التابع، وفي مشهد مؤثر يصب جام غضبه على الاقدار ويتسأل : هل كان من الضروري ان يموت والده في اللحظة التي سيقدم فيها الشاي لسيده؟
سيقول البعض ياله من بطر ، غدا سنخرج في تظاهرات مليونية وانت تكتب عن روائي ياباني، هكذا انتم معشر الكتاب تعيشون في برج عاجي.. شكرا ياسيدي للملاحظة القيمة ، لكنني اكتب عن الولاء للآخرين، فمنذ اسابيع تندلع رحى حرب طاحنة في الصحف والفضائيات والمواقع الالكترونية وفيسبوك وتويتر، وكلها تطرح سؤالا واحدا: من يقف وراء تظاهرات تموز 2015 ؟
لا يريد ساستنا ان يعترفوا ان هذا الشعب يملك شجاعة الاحتجاج، فهم يريدونه تابعا لهم، مثلما هم تابعون لبلدان الشرق والغرب، لكنهم رغم ذلك يوزعون "الاجندات الاجنبية" على المتظاهرين، فيما يحاول "جهابذتهم" تلقيننا دروسا في فنون الوطنية، "، طبعا الذين واعتبروا التظاهرات خروجا على الدين والملة هؤلاء ، ليس في مقدوري محاججتهم ، فهم "منذورين" لمهمة سماوية هي تخليص العراق من الكفار امثالنا .
لم تقدّم التجربة السياسية خلال الاثني عشر عاما الماضية للعراقيين معنى واحدا للولاء الوطني ، لا امان، لاخدمات، ولا بناية نتباهى به، قامت سنغافورة من المستنقعات لتتحول الى نموذج في النمو والثروة. بينما يريد ساستنا ان يعلنوا علينا الطوارئ بذريعة "الاجندات الخارجية"
اصبح الولاء للعراق خيانة كبرى، بينما طلب مشورة طهران وانتظار تعليمات اردوغان، والانصات الى هاتف تميم.. قمة الولاء